التخطي إلى المحتوى الرئيسي

رواية دائرة فرح - تأليف زهرة علي - الجزء الأول

رواية دائرة فرح - تأليف زهرة علي - الجزء الأول

دائرة فرح


الجزء الأول
رواية

زهرة علي




عن الرواية:


الرواية تتحدث عن قصة اختطاف طفلة من عربتها في إحدى حدائق الملاهي الموجودة بإحدى الدول الخليجية، وكيف تحولت فرحة العيد إلى كابوس مزعج يصعب تصديقه!
و تتوالى الأحداث التي كشفت عن الجريمة
الرواية إجتماعية بوليسية، يحوي نموذجاً ناجحاً للرزق الحلال

الرواية من نسج الخيال، وأي تشابه في الأحداث أو الأسماء إنما هو قبيل الصدفة.

من الرواية:

أيتها الحسناء.. عودي إلى طبيعتك.. استمتعي بالحياة.. استمتعي بالطبيعة.. عيشي لحظتك.. عيشي الحاضر والمستقبل.. افرحي وامرحي.. وعيشي طفولتك بسلام.. بحب.. بأمان.. بطمأنينة..


للتواصل مع الكاتبة:
withzahras@gmail.com



إهداء

إلى أبي وأمي اللذان أحسنا تربيتي..
إلى زوجي الذي شجعني على نشر كتاباتي..
إلى أطفالي الذين شجعوني على الكتابة بنقاء قلوبهم وبرائتهم..
إلى أخواتي العزيزات، وصديقاتي المخلصات، ومعلماتي المحترمات، وأهلي و معارفي الأحباء..
إلى القراء الأعزاء..
أهديكم روايتي الأولى، وأتمنى لكم قراءة ممتعة.



الكاتبة:
زهرة علي




الشخصيات الرئيسية




البيت الذي تعيش فيه فرح:
بطلة القصة: فرح.
زوج فرح: الملازم حمد.
ابنة فرح الكبيرة: نور وعمرها تسع سنوات.
ابنة فرح الصغيرة: سارة وعمرها سبعة شهور.
العمة "أم الزوج": أم حمد.
بالإضافة إلى: إخوان حمد وزوجاتهم وأطفالهم.
أهل فرح:
والد فرح: عزيز.
والدة فرح: هند.
أخ فرح: سعد، وهو الأوسط بينهم.
أخت فرح: رهف، وهي الأخت الصغرى لفرح.
عالم الجريمة:
المحقق: المحقق جاسم.
الرجل المجرم: لاهار.
المرأة المجرمة: امريتا.




تمهيد


أحبتي.. أشكركم على قراءة روايتي، والسماح لأنفسكم بقراءة أسلوب جديد في الكتابة، قبل أن تسألوني لماذا لا تنشريها في دار نشر؟

لقد تواصلت مع أحد دور النشر في الخليج ولكن عقد الاحتكار لم يعجبني، لذلك قررت أن أنشرها في مدونتي لتكون في متناول الجميع.

هذه تجربتي الأولى في محاولة نشر ما أكتب من روايات، حاولت فيها استخدام أسهل المرادفات لتبسيطها، ولكي تكون في متناول الجميع.

ركزت في الرواية على القصة، وطريقة عيش أحداثها، لذلك عمدت للتعمق في بعض التفاصيل الصغيرة، حتى تتضح الأمور.

الرواية تتحدث عن قصة اختطاف طفلة من عربتها في إحدى حدائق الملاهي الموجودة بإحدى الدول الخليجية، وكيف تحولت فرحة العيد إلى كابوس مزعج يصعب تصديقه! و تتوالى الأحداث مؤثرة على باقي أفراد العائلة.

الرواية من نسج الخيال، وأي تشابه في الأحداث أو الأسماء إنما هو قبيل الصدفة.

والآن سأترككم مع بطلة الرواية "فرح"، والتي ستسردها لكم، لتعيشوا معها أحداثها ومشاعرها، فربما تلامس شيئاً من ذكرياتكم، أو تلهمكم لإيجاد حلاً لمشاكلكم، مثل ما حصلت على الحل لنفسها في "دائرة فرح".

أختكم الكاتبة:
زهرة علي



--------------------------------------


اسمي فرح ، أضع بين أيديكم قصتي ومشاعري لتعرفوا بأن الإنسان مهما بلغ من درجات القوة فهو بحاجة إلى الله تعالى، ولتعلموا بأن أي إنسان مؤمن بالله وقوي الإرادة يستطيع تجاوز الصعاب إن أراد التغيير و تحسين حياته و سمح بذلك لنفسه.

كلما فكرت في سرد قصة حياتي وبدايتها، أتذكر الدائرة السوداء التي كانت تحيط بي وتعمل غشاوة على بصري، وكيف تجاوزتها بإرادتي، و صارت دائرة فرح....

لم أكن أفهم ما يحصل لي، شيئاً غريبا، لا أعرف كيف كنت اتصنع السعادة لأغيض من يتابعني من معارفي، لم أكن أعي وأفهم الحياة جيداً بسبب غروري وتكبري..

التعريف بالعائلة


سأعرفكم أكثر على نفسي وعلى عائلتي ..

أنا فرح، فتاة بيضاء البشرة، متوسطة الطول، أملك عينان شديدة السواد، وشعر أسود داكن وطويل، مغرورة بنفسي وبجمالي، وثقتي بنفسي فوق المعتاد أي ثقة بدون توازن، هوايتي التصوير ولا أعمل.

زوجي حمد هو ابن عمي،بشرته سمراء، طويل القامة، عريض المنكبين، شعره كثيف وأسود، وبه شوارب، ويعمل ملازماً في أحد مراكز الشرطة، وهو معروف بهدوئه وبأخلاقه الطيبة وحبه لمساعدة الآخرين واحترامه للجميع.

لدي ابنتان صغيرتان وجميلتان، الكبرى اسمها نور وعمرها تسع سنوات، طفلة ذكية وجميلة ومرحة، شعرها أشقر وطويل، وبشرتها بيضاء، وعيناها كبيرتان باللون البني الفاتح.

 أما ابنتي الصغرى فاسمها سارة، عمرها سبعة شهور، سمراء، شعرها أسود وناعم وكثيف رغم صغر سنها، ودائماً ما تملئ المكان بهجة وسعادة لبشاشة محياها، وتصرفاتها البريئة، فهي الآن تحبو وتتنقل إلى كل الغرف في المنزل لتكتشف الحياة.

أنا أعيش في منزل والد زوجي المتوفاه، مع والدته وإخوته الأربعة، فحتى لا تشعر والدتهم بالوحدة لم يقوموا بحصر الإرث وتقسيمه، فلكل واحد منهم قسم خاص به مع زوجته وابنائه، وزوجي حمد هو ابنها البكر.

أما البيت الذي عشت وترعرعت فيه.. المنزل الذي يحوي عائلتي الصغيرة بالحب والدفء، فيه والدي الحبيب واسمه عزيز "أبا سعد"، وقد اضطر للتقاعد المبكر من عمله في إحدى وزارات الدولة لإصابته في رجله.

والدتي اسمها هند " أم سعد"، أم حنونة وعطوفة على الجميع، وربة منزل رائعة، تعرف كيف تسعدنا، ودائماً ما تدللنا وتطبخ لنا ما لذ و طاب من المأكولات.

 وأخي سعد الذي يعمل ميكانيكياً في أحد معارض السيارات، وأختي رهف ما زالت تدرس الطب في كلية الطب.

عرفتكم على أقاربي، وستجدون في قصتي من هم أقارب محبون ومساندون لي، وستعرفون من هم عقارب وأفاعي يلدغوني في حضوري وفي غيابي.



استعدادات العيد


هذا هو اسبوع عيد الفطر المبارك عند المسلمين في العالم أجمع، الجميع يستعد لهذه المناسبة بعد شهر رمضان المبارك.

للعيد بهجة وفرحة لا تضاهيها فرحة، فهي فرحة للصغار وللكبار، ولنا في العيد بعض العادات والتقاليد المشتركة بين أهل الخليج العربي.

ذهبت قبل يوم العيد إلى بيت والدي، وساعدت والدتي في إعداد بعض المخبوزات والحلويات استعداداً للعيد، ثم إن أختي رهف احضرت معها إحدى العاملات في الصالون النسائي القريب من المنزل لوضع نقوش الحناء لنا..

اختلطت رائحة المخبوزات التي اعددناها في الفرن مسبقاً مع رائحة الحناء في أرجاء المنزل.. كنت سعيدة فهذا أول عيد ستحضره طفلتي سارة .

طفلتي الصغيرة، أردت لها أن تتعود على أجواء العيد التقليدية مثل أختها نور، فوضعت لها نقوش الحناء بصعوبة، لكثرة حركتها، المضحك في الأمر بأنها تذوقت الحناء التي في يدها، ثم اغمضت عينيها، فلم يعجبها الطعم.

ضحك الجميع من تصرفاتها البريئة، وقامت هي بالضحك معنا دون أن تعرف بأنها السبب في ضحكنا، ما أجمل براءة الأطفال و نقاء قلوبهم!

أخذتها والدتي جانباً، ووضعت نقوشاً تقليدية في يديها، ثم غلفتها بقطعة قماش، حتى لا تضع يدها في فمها ثانيةً.
علقت على الموقف بغرور: هذا ليس من رفيع مقامي.

ضحك الجميع، فهم يعرفون بأني كنت امازحهم، والمعروف عند معارفي هو دقتي ومبالغتي في أناقتي ومظهري.

أما ابنتي نور فقد كانت سعيدة جداً بالنقوش ولم تشأ أن تتحرك من مكانها، إلى أن تجف النقوش التي على يديها.

قمت مع أختي رهف بتصوير نقوشنا المتناهية الدقة في الرسم والجمال، ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، ثم دخل والدي وأخي وأخذوا يلاطفون صغيراتي، ويوعدونهم بالهدايا في يوم العيد.

عاد حمد متأخراً من عمله، ليأخذني من منزل والدي، وبعد أن سلم على عائلتي، حمل غاليتي "نور" على ذراعيه متوجهاً إلى السيارة، فقد نامت بعد ما تعبت من انتظار مجيء والدها، وأنا حملت مدللتي "سارة".

عدنا إلى المنزل حيث استقبلتنا والدته بغضب..
أم حمد: لماذا كل هذا التأخير؟ ألا يعجبك الجلوس معنا، فكل زوجات أبنائي يجلسون معي يومياً إلا أنتِ تتعمدين الإطالة في بيت والدك .....

حاولت فرح أن تتماسك أعصابها، وتكلمت مع أم حمد بمنتهى الذوق والاحترام، حتى لا يحتد النقاش..

فرح: اعتذر عن عدم اجتماعي معكم لهذا اليوم، لأني ذهبت لمساعدة والدتي في إعداد حلويات العيد، فكما تعلمين ضيوفنا كثر.
أم حمد: وهل تساعدين والدتك من الصباح إلى منتصف الليل؟...
فرح: ليس الأمر كذلك، فبعد أن انهينا عملنا، قمنا بعمل نقوش الحناء للأطفال، وقد تأخر حمد في المجيء إلينا.
أم حمد بتهكم: ما هذا العذر؟ لو كنتِ تريدين الاجتماع معنا لطلبت من أهلك إيصالك......

 استرسلت أم حمد في الكلام، بينما حمد قطع عليها حديثها، فهو متعب من العمل ويحاول  أن ينهي النقاش...

حمد: آسف.. بالكاد انهيت عملي، ضعي اللوم علي ّ هذه المرة فأنا من تأخر عليهم، والآن اشعر بالنعاس، هيا يا فرح ، احملي معي البنات ، هيا إلى النوم.

 وتوجهوا بسرعة إلى قسمهم..

أم حمد: أهكذا تنهي الحديث معي وتتركني قبل أن أنهي كلامي مع زوجتك، هل نسيت تربيتي لك.....اكثرت الثرثرة، ثم ذهبت لغرفتها لتنام.


هكذا هم كبار السن، كثيروا الثرثرة، ولكن قلوبهم نقية، وسرعان ما ينسوا ما قالوا في لحظة غضب وربما لحظات الوحدة تكون السبب، دائماً ما يشتكون من أبسط الأمور، لأنهم يريدون اهتماماً أكبر ويحتاجون للحب.

نامت طفلتاي في غرفتهما، وكأنهما ملاك نائم، هدوء ملامحهم تجعلني اتأمل جمالهم وبراءتهم واتغاضى عن شقاوتهم، ثم اغلقت الباب وتوجهت لغرفتي..

حمد: هل ناموا؟
فرح: نعم.

ساد الهدوء بيننا، ثم قطعت الهدوء بعد تردد، فحمد لا يحب الكلام عندما يعود من عمله....

فرح: سيكون اليوم الأول للعيد في بيت عائلتي، واليوم الثاني سنذهب إلى حديقة الملاهي ليلعب الأطفال.
حمد: تعرفين والدتي جيداً، وطريقة تفكيرها وكثرة حساسيتها، لذلك سنقسم اليوم الأول من العيد صباحاً عند أهلي، ومساءاً عند أهلك.

وافقت فوراً ولم أناقش الموضوع، فالوقت غير مناسب لإحتداد النقاش.

عائلة الزوج هي نفسها عائلة الزوجة، وقد تختلف طرق التعبير عن المشاعر، ولكن تبقى المحبة واحدة.


فرحة العيد


استيقظتُ صباح اليوم الأول من العيد، وقمتُ بإيقاظ فتياتي الجميلات، وكانت الفرحة لا تسعهن، فقد البستهن أجمل ملابس العيد الثمينة والأنيقة، وقمتُ بتسريح شعر ابنتي نور بأجمل التساريح المناسبة لعمرها، ثم البستهن قطعاً من الذهب الثمين، ولونت أظافرهن باللون الأحمر، وهو اللون المفضل عند طفلتي نور.

لقد ظهرت النقوش في أيديهن حمراء داكنة، و سعدن بها، حتى أن والدهن أبدى إعجابه بها وبدقتها، وأعجب بنقوش نور وبموقف سارة من النقوش ودهشتها من اللون الذي في يديها.

أما أنا فحرصت على أن أكون أنيقة جداً، فلبستُ جديد الثياب، ولبستُ من الحُلي اثمنها وأجملها، ووضعت المساحيق التجميلية على بشرتي التي زادتني جمالاً وإشراقاً، وحرصتُ على اختيار أجود أنواع بخور والعود الأصلي، والذي وصل لأنوف كل من في المنزل قبل خروجنا من قسمنا الخاص.

أما حمد فقد ارتدى ثوباً شعبياً  مما زاد من وسامته وجاذبيته ورفعة مقامه، ولبس ساعة اليد الجديدة التي اشتريتها هدية له مؤخراً بمناسبة عيد ميلاده، وقمت برشه بالبخور والعطور...

وما هي إلا لحظات، وإذا بصوت والدته التي تدعونا للنزول مع الجماعة، فاستجبنا لها فوراً...

بدينا مثل العروس والعريس مع الأميرات، فالجميع وصل مبكراً، إلا نحن كالمعتاد في آخر اللحظات، وهذا ما جعل زوجات إخوة حمد ينظرون إلينا بثقل ويتهامسون فيما بينهم بكلمات غير مسموعة.

لم اكترث لأمرهن فأنا تعمدت تجاهل حركاتهن لإغاضتهن أكثر، فكنت أوجه لهن نظرات الغرور و التكبر بدون سبب.. أعرف جيداً بأن أكثر ما يغيضهن هو ابتسامتي الدائمة التي أرسمها على وجهي في كل الظروف.

أقول هذا لأنهن غيورات، وحسودات، هذا الإحساس الذي يصلني نتيجة تصرفاتهن معي، وأعلم جيداً بأنهن يشتكين لأزواجهن، ويحاولن تقليدي فيما اشتريه من مجوهرات وملابس ثمينة، وأكبر دليل على غيرتهن مراقبتهن الدائمة لي في وسائل التواصل الاجتماعي، فكثيراً ما يظهر لي بأنهن أول من يشاهد ما أصوره، ودائما اردد أمامهن دون اكتراث " من راقب الناس مات هماً".

باركنا للجميع شخصاً تلو الآخر بمناسبة العيد، وفرحت ابنتي نور كثيراً لأنها حصلت على الكثير من العيادي من جدتها ومن أعمامها.

والعيدية هي عادة تقليدية عند أهل الخليج، مفداها إعطاء مبلغاً بسيطاً من المال أو تقديم الحلوى أو  الهدايا و الألعاب للأطفال في عيد الفطر المبارك، وأيضاً في عيد الأضحى المبارك.

قضينا نصف يومنا مع عائلة حمد، ثم أوصلني حمد مساءاً إلى منزل عائلتي، وأستقبلتني والدتي في الأحضان، ورحب بي والدي، أما سعد ورهف أخذوا البنات فوراً معهما، وقاموا بتدليلهما، وتقديم الهدايا والألعاب لهن.

قمنا بتناول الحلويات، ثم بدأنا بتصوير الصور الجماعية، فهذه الهواية تعجبني كثيراً، وأحب أن أصور لحظاتي التي استمتع بها ومشاركتها مع الآخرين في وسائل التواصل الاجتماعي، وكثيراً ما أقوم بطباعتها وتنسيقها في ألبومات مختلفة.

وفي الساعة الثامنة مساءاً، كنا نجهز طعام العشاء، جاء هاتفاً مستعجلاً لزوجي حمد... هكذا هو حمد في كل عيد، بل في كل يوم.. كما أسلفت سابقاً، حمد يعمل ملازماً، لذلك يتم إستدعائه بشكل مفاجئ لحالات الطوارئ.

قام حمد مستعجلاً: اعتذر لكم على تقصيري معكم، عليّ المغادرة حالاً لتبديل ملابسي والالتحاق بالعمل، هيا يا فرح للعودة للمنزل، وسأعوضكم لاحقاً بالتنزه في حديقة الملاهي مع الأطفال.

لكن أخي سعد تدخل قائلاً: اليوم هو العيد، وقد جئتم متأخراً، هل تسمح لها بالبقاء معنا، وسأقوم بإيصالها لاحقاً إلى منزلكم.

لم يمانع حمد اقتراح سعد، وقدم له الشكر على مبادرته.

فرحت عائلتي بحمد، فهم يعتبرونه واحداً منهم، ويستشيرونه في كثير من أمورهم، ووالدي يحبه كابنٍ له و يعامله باحترام، أما والدتي فكثيراً ما تقدر تعبه وجهده في عمله، فبالنهاية هو يعمل من أجل الرزق الحلال، وهو لم يقصر معي ولا مع بناته من الناحية المادية.

قضيتُ وقتاً ممتعاً مع عائلتي، ثم قام أخي سعد بإيصالي إلى المنزل في سيارته  ذات الطراز القديم، وكثيراً ما كنتُ أحتجُ على الركوب معه وبأنها لا تتناسب مع ذوقي الراقي، بينما هو يأخذ الأمور برحابة صدر، فرأيه بي بأني فتاة مدللة أجهل قيمة الأشياء الحقيقية.

السيارات القديمة عند أخي سعد هي الأفضل ميكانيكياً، فمن ناحية الأجزاء و قطع الغيار المستخدمة تكون الأقوى والأفضل من السيارات الجديدة التي سرعان ما تعتل من أول حادث، ومن ناحية أخرى تعتبر الأكثر صلابة في تحمل الصدمات.

هذا بعض مما أكتسبه من الخبرات في مجال دراسته للهندسة الميكانيكية، وعمله كميكانيكي في أحد معارض السيارات، فكلٌ يعمل في مجاله وخبراته ومعرفته.

كنا نتحدث طوال الطريق عن السيارات دون ملل، إلى أن وصلنا إلى المنزل، نزلت مع صغيراتي وشكرته على توصيله لي.

إن طباع أخي سعد تختلف كثيراً عن طباع زوجي حمد، فسعد يتحدث كثيراً، ولديه كاريزما تجبرك على التواصل معه في حديثه ومناقشته بكل حماس، بينما حمد دائماً ما يكون صامتاً، وقليل التعبير والكلام، حتى أننا عند خروجنا في السيارة يصمت طوال الطريق دون أي كلمة، وعندما يتحدث يرشدني فقط للخطوات القادمة ، أو يعلمني بأمر مهم يريده ثم يعود لصمته، وقد أعتدت على هذا الأسلوب و تكيفتُ معه، لا أعلم أهو طبعٌ فيه أم طبيعة عمله أكسبته كل هذا الصمت.

عاد حمد إلى المنزل في وقت متأخر، وأخبرني بأنه يحتاج إلى قسط كبير من الراحة، وأنه علينا الاستعداد غداً مساءاً للتنزه مع الصغيرات في حديقة الملاهي.


اليوم الثاني من العيد "الإستعداد للنزهة"


في مساء ثاني أيام عيد الفطر المبارك، لبستُ بنطالاً أزرقاً وقميصاً أبيضاً ذو أكمام طويلة، كانت ملابسي مريحة وتسمح لي بالتنقل في أرجاء الحديقة بسهولة، ووضعتُ القليل من مساحيق التجميل التي جعلت ملامح وجهي تبدو طبيعية، أما نور فقد ألبستها بنطالاً أبيضاً بقصة واسعة، وقميصاً باللون الأزرق الفاتح ليسهل عليها اللعب والتنقل بسهولة.

أما صغيرتي سارة فألبستها فستاناً أصفراً قصيراً بدانتيل أبيض، وحذاءاً باللون الأبيض، وأكتفيت بأن ألبسها مع أختها أقراط صغيرة من الذهب.

ارتدى حمد بنطالاً أزرقاً وقميصاً أبيضاً بأكمام قصيرة، ظهرت فيه عضلات يده متناسقة، وبدى أكثر جاذبية.

انطلقنا في السيارة، ولكن أزمة البحث عن موقف للسيارة هي الحلقة الأصعب في أيام العيد...

وأخيراً وجدنا موقف للسيارة بعد عناء البحث، ولكن عند البوابة الخلفية للحديقة، فالحديقة  كبيرة وتحتوي على ستة بوابات بأرقام مختلفة، وفي كل بوابة رجال أمن يسهلون الأمور على زوار الحديقة، فبعضهم ينظم حركة السير والمواقف، والبعض يقف عند كل بوابة  لتسهيل دخول الزائرين وبيع تذاكر الألعاب لمن يريد.

وجدنا متسولاً طاعناً في العمر، يمد يديه ويتمتم بكلمات مثيرة للشفقة، وكان متجهاً نحونا... أعطاه حمد ديناراً من محفظته فدعى لنا بالخير والعطاء، لكني اشفقت كثيراً لحاله، فأمرته بالتوقف ثانية، وأعطيته كل ما حصلتُ عليه من "العيادي" من مبالغ خلال أيام العيد...

فرِحَ الفقير بذلك، وضاعف الدعوات لي ولصغيراتي وزوجي بالصحة والعافية، ودعوات كثيرة تدل على فرحه بما حصل عليه... شعرتُ بأني قد قضيتُ حاجة محتاج حقيقي.

كثر الحديث عن المتسولون في الآونة الأخيرة، وبأنهم ليسوا بحاجة للمال، وبأن معظمهم محتالون... ولكن نظرتي تختلف عن الآخرين، فرأيي يقول نحن من نحتاج للتصدق لنمارس الإحسان والصدقة والعطاء، وهنيئاً لمن يتسخر له فقير في طريقه ويحسن إليه بالعطاء، إنها السعادة بالتأكيد.

جريمة إختطاف


دخلنا إلى الحديقة، وكنتُ أمسك بيد صغيرتي "نور" حيث كانت تشير بيدها إلى الألعاب التي تودُ اللعب فيها، أما حمد فكان يحرك عربة الأطفال التي تحمل صغيرتنا "سارة" التي كانت مندهشة بألوان الأضواء التي تخرج من الألعاب، وأصوات الأغاني والموسيقى العالية في كل مكان من الحديقة.


قمنا أولاً بالذهاب إلى قسم خاص بألعاب الأطفال الأقل من ثلاثُ سنوات، وكانت تجربة مذهلة لصغيرتي التي أحبتها كثيراً، ثم قمنا بالإصطفاف في طابور طويل للعبة "الجوكر" الخاصة بالأطفال والتي اختارتها "نور".

كان الطابور طويلاً ومزدحماً بالأهالي مع أطفالهم، فاضطررنا للوقوف وانتظار دور طفلتي "نور"، ثم ذهب حمد لشراء المثلجات والعصائر والفشار من المحل القريب منا، بينما " سارة" ما زالت على حالها منبهرة بكل شيء، تراقب بهدوء وبراءة وهي مستلقية في عربة الأطفال الخاصة بها.

اشتد صوت الأغاني المنبعث من الألعاب، فلم تتمالك صغيرتي "نور" نفسها، وأخذت تتراقص بعفوية رقصات طفولية، أحببت رقصها، وأردت تصويرها بهاتفي ومشاركة اللحظة مع من أحب في أحد مواقع التواصل الاجتماعي.

جاء حمد يحمل معه المثلجات والشوكلاته والعصائر، و لكن.....
الصدمة!
انتبهنا معاً... سارة ليست في عربتها!
أصابت الدهشة عقولنا!
رمى حمد ما كان يحمل في يديه..

حلت لحظة صمت مخيفة، وكأن الكون قد توقف عن الحركة وإصدار الأصوات المزعجة التي كانت تحيط بنا.

سارة طفلة صغيرة بعمر السبعة شهور، ما زالت لا تستطيع المشي، فكيف تحركت؟

أمسكتُ بيد ابنتي "نور" بقوة خشية أن تضيع مني هي الأخرى، وقمتُ أمشي بسرعة، وقلبي يدق دقات كبيرة وثقيلة كدق الطبول أو أكث، تجاوزت الصفوف، وغصتُ بين الزحام أبحث عن ابنتي بجنون.. سارة.. طفلتي المدللة.. كيف أختفت؟ وأين هيّ؟

أمرني حمد بأن أتماسك، وقمنا بالبحث حولنا لعل أحد معارفنا أخذها دون إستئذان، فلم نجدها!

إستوعبنا بعدها بأنها جريمة إختطاف..

الجزء الثاني من رواية دائرة فرح




دمتم بخير

تعليقات

  1. رواية رائعة وتتشابه بعض احداثها خاصة حادثة الاختطاف مع مسلسل بيت الذل #بيت_الذل فربما اقتبسوا الفكرة من روايتك الرائعة ... استمري في الكتابة ونطالب بروايات جديدة بقلمك الجميل

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً على الإطراء وسعيدة بتعليقك وأما تشابه بعض الأحداث فهو وارد فالأفكار موجودة في كل مكان وفي كل زمان ولكن نحن من نشكلها بأسلوبنا ونوظفها على شكل كلمات تحمل رواية، أو سيناريو وحوار يحمل مسلسلاً، شكرا ونلقاكم في روايات جديدة إن شاء الله.

      حذف
  2. حرام هذه المواهب تندفن وما تظهر للجهات المناسبة.. بالصراحة ابداع .. ما دري ليش يهملون مواهب الكتابة .. انتي مشوار كاتبة ناجحة.. اتمنى لك التوفيق وأن تحصلي على فرصتك المناسبة وتلتفت لك الجهات التي تدعمك لتصلي.. كل التوفيق اختي الكريمة..

    ردحذف
  3. رواياتك وقصصك مميزة .. وانا شفت كم مسلسل خليجي يقتبسون أحداث مسلسلاتهم من القصص اللي تكتبينهم.. نتمنى انشوف اسمك في المسلسلات القادمة اتوقع لك نجاح باهر.. مادري وينهم المنتجين عن هذا الإبداع.. انا لو منتج اكتب لج شيك مفتوح و تكتبين لي احلى مسلسل يكسر الدنيا .. ونطالب بقصص جديدة..

    ردحذف

إرسال تعليق

تعليقاتك الإيجابية تسعدنا

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراد قرآنية لتحقيق الأهداف

  أوراد قرآنية لتحقيق الأهداف أحببت أن أجمع هذه الأوراد المجربة، وهي مجموعة أوراد مقتبسة من آيات قرآنية ومن أسماء الله الحسنى، ولقد رأيت في أن أشارككم فيها لعلي أنفع بها من هو أحوج إليها، ومن يحب أن يجدد في أوراده لقضاء حوائجه وتذوق حلاوة القرب من الله سبحانه وتعالى. قمت بتقسيمها كالآتي، وأسأل الله ينفعني وإياكم بها. أولاً: أوراد الفتح وهي الأوراد الخاصة بالفتح لأي هدف تريده أي تستخدمه بشكل عام لأي هدف ، وكل ما عليك هو أن تستحضر هدفك وتردد الورد باستشعار تام، والله ولي التوفيق. - (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا) - ( وأثابهم فتحاً قريبا) - ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) - ( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه) - ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) - ( نصر من الله وفتح قريب) - ( وفتحت السماء فكانت أبوابا) - ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) - ( اللهم فتح مبين) - ( اللهم افتح لي أبواب خيرك ولطفك) ثانياً: أوراد لنيل البركة والتيسير من الله تعالى - (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) - ( حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) - ( بديع السماوات والأرض و

مسرحية عريس الغفلة- مسرحية كوميدية- تأليف: زهرة علي

مسرحية عريس الغفلة- مسرحية كوميدية- تأليف: زهرة علي هذه المحاولة الأولى لي في كتابة مسرحية، فقد تجد بعض الأخطاء الدرامية، لذلك اخبرني بها فأنا اتقبل النقد البناء لتتطور محاولاتي القادمة في الكتابة. ربما تكون طريقتي في طرح الحوار جديدة فقد تعمدت الدمج ما بين اللغة العربية الفصحى والعامية لأكون لكم نكهة من نوع خاص.. ومتأكدة أنها ستعجبكم..  (ولأقيم عملي كمتابعة للمسرحية سأقوم بوضع ردة فعل الجمهور من ضحك أو الإعجاب بالتصفيق ما بين قوسين باللون الأحمر..) نبذة عن المسرحية: اسم المسرحية: عريس الغفلة نوع المسرحية: كوميدية تأليف: زهرة علي تم النشر في 12-9-2020 شخصيات المسرحية: الزوج: وليد "أبومشعل"، عمره 33 سنة ويعمل معلم لغة عربية، ويتحدث اللغة العربية الفصحى تأثراً بعمله.  ولديه ابنان: مشعل: 7 سنوات فهد: 8 سنوات الزوجة رقم 1: إيمان " أم مشعل وفهد"، في أواخر العشرينات من عمرها، من الجنسية الخليجية، انيقة وجميلة. أم الزوج: أم وليد - امرأة في الخمسينات من عمرها، ترتدي الملابس الشعبية. الزوجة رقم 2: سنية - فتاة من الجنسية

برنامج لختم القرآن الكريم

  برنامج لختم القرآن الكريم المقدمة:  لقد أتت الأيام الجميلة، أتت مواسم الرحمة لينفض المرء عنه ثوب الغفلة، وثوب النوم، وثوب البعد والجفاء عن الله تعالى، لتكون راحته ولذته ونعيمه وسروره وشوقه في الإقبال على الله تعالى. ذكر الله تعالى يشرح الصدر ويزيل الضيق ، فما بالك بختم القرآن الكريم في الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، ولقد مرت في عمرك رمضانات كثر، فاجعل رمضانك هذا الأعظم أجراً، والأكثر سعياً وعملاً، والرواء على قلبك وروحك وعملك. أقدم لكم جدولأ لختم القرآن الكريم خلال شهر رمضان المبارك