عطش و توبة
استيقظت في أحد أيام شهر رمضان على صوت أذان الفجر، و كنت اشعر بالعطش الشديد، و لكن ادركت من صوت الأذان بأن وقت السحور قد فاتني، حينها ندمت بأني لم أشرب الماء مسبقاً، و أخذت أفكر في حالي، إذا كان هذا حالي و قد فاتني شرب الماء، فكيف سيكون حالي إذا فاتني وقت التوبة و أغلقت أبواب التوبة من السماء.
حينها أدركت مدى تقصيري في الاستغفار، و علي بأن أتوب إلى الله عز وجل حتى لو كنت اشعر بأني لست مذنبة في شيء، لم اسرق و لم اظلم أحد و لم اشرب خمراً و لم....
لكني و بكل أسف تذكرت بأني كنت استمع للغيبة و اشارك فيها، يالله رحمتك، كيف لي أن اغتاب أحداً و كأني انهش في لحمه، يجب أن أتوب إلى الله غفار الذنوب...
هذا و قد عرفت أحد ذنوبي، فماذا عن معاملتي لأطفالي و لأهلي و معارفي، ماذا عن تقصيري في العبادة بقلب خاشع، كم ظلمت نفسي، و ربما هذه الذنوب الصغيرة قد كبرت و عملت غشاوة على قلبي و عيني حتى أنني كدت أن لا أراها، و هذا ما يجعل البركة تتلاشى من حياتي، فكيف أهرب من المعصية؟
فكر في الإقلاع عن الذنوب و المعصية:
حتى نهرب من المعصية ينبغي أن نفكر بخطورتها، و ما لها من آثار وخيمة على مستوى الروح و الجسد و الدنيا و الآخرة، فالمعصية تمرض الروح، و قد تكون هذه الأمراض خطيرة و مستعصية، كالكبر و الغرور و العجب ... و غيرها.
فالمطلوب منا أن نحافظ على سلامة النفس، لأنها أمانة من رب العالمين، و لابد أن نسلمها في ساحة المحشر ، و كما قال تعالى: (يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).
أما إذا بقيت على أمراضك الروحية، دون أن تكلف نفسك علاجها، فحينها ستحتاج إلى العلاج في مستوصف القبر، و بالتالي إلى مستشفى جهنم، إلى تلك النار الحامية، التي تطلع على الأفئدة، فعجباً لأولئك الذين يحمون أنفسهم باتباع حمية و نظام غذائي ورياضي، بينما لا يحاولون حماية أنفسهم من الذنوب مخافة النار، و لا حتى يفكرون في الإختلاء بأنفسهم لتقويم الإعوجاج الذي فيها و يتجاهلوه.
آثار الذنوب الخطرة:
أولاً: تلويث النفس
يُحدث الذنب في النفس قسوة و ظلمة و عتمة ثقيلة، و هذه القسوة و الظلمة تؤديان إلى الجرأة، فتراه يظلم و يقسو و يتفاخر أحياناً بذنوبه، حتى أني التقيت مرة بأحداهن التي صارحتني بأنها تتلذذ عندما تتحدث عن الآخرين و تغتابهم، و آخرين يتفاخرون بمعصيتهم و بالنصب و الاحتيال على الناس ، هذه أمثلة بسيطة من الكم الهائل من الذي يوجد في مجتمعاتنا و التي تلوث النفس.
ثانياً: نسيان العلم
إنّ في طليعة الذنوب التي تسلب العلم هي العجب ، و في المقابل فإن التقوى سبب لزيادة العلم، فمن يعجب و يتفاخر بنفسه و علمه بغرور و تباهي أمام الآخرين يفقد ذلك العلم ، فالعلم نور من الله تعالى ، و نور الله لا يعطى لعاصي.
ثالثاً: سلب العبادة و سلب الخشوع
إن الذنوب تسلب اللذة في العبادة ، فإذا رأيت نفسك مقصر في خشوعك و عبادتك، اعلم بأنك محاط بالذنوب و تلاحق نفسك بالاستغفار و الإقلاع عن المعصية.
رابعاً: عدم استجابة الدعاء
من أبرز الذنوب التي ترد الدعاء ظلم الناس، و كذلك سوء النية و خبث السريرة ، و ترك الأمر بالمعروف.
خامساً: إزالة النعمة و نزول البلاء
قال تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )
الذنوب الكبيرة تسبب إزالة النعمة و نزول البلاء، و تسبب حجاباً بين العبد و ربه، و تؤجج ناراً على ظهره، و قد يحمل ناراً في أذنه و ناراً في كفه، و ناراً في عينه، و ناراً في قبره، و ناراً في محشره حتى يصلى النار الكبرى..
سادساً: القسوة
إذا قسى القلب فإن الرحمة تنعدم فيه.
و لكن كيف لي أن اقلع عن الذنوب و هل هناك وسائل تقربني من الله تعالى؟
أولاً: العبادة
علينا أن نتقرب إلى الله عز وجل بمختلف الطاعات و العبادات من صلاة و صوم و حج و زكاة و دعاء و صدقة ، و كذلك الإعانة في سبيل الله ، و الجهاد، و العتق ، و الذكر و التسبيح، و صلة الرحم ، و زيارة المؤمن، و عيادة المريض، و إدخال السرور، و الفرصة موجودة عندنا في شهر المغفرة و الخيرات ، في شهر البركات ، شهر رمضان المبارك.
ثانياً: الإنفاق في سبيل الله تعالى
من مقومات التجارة الرابحة مع الله تعالى الإنفاق في سبيله، فعلينا أن نبادر إلى هذه التجارة الرابحة قبل فوات الفرصة، و يكون ذلك بتحويل هذا المال إلى حسنات في بنك الآخرة، و إلا لا ننتفع به شيئاً.
ثالثاً: الجهاد
و توجد أنواع للجهاد ، فقد يكون جهاداً بالنفس أو بالمال أو طرقاً شرعية أخرى.
رابعاً: الإستغفار
عن أمير المؤمنين "ع" : ( تعطروا بالإستغفار يرحمكم الله لئلا تفضحكم روائح الذنوب)
و كذلك عنه "ع" : ( الإستغفار صابون الخطايا)
اكثروا من الاستغفار فله عجائب و آثار كثيرة على حياتك ، فالإستغفار يطيل الأعمار، و يفتح أبواب الرزق، و يستجاب الدعاء، و يكشف الهموم و الغموم و البلايا، و يقطع وتين الشيطان، و يستر القبائح، و يبدل السيئة حسنة، و يجلو رين القلوب، و يساقط الذنوب، و ينجي من النار، و ما خفي من فوائد الاستغفار أعظم.
خامساً: الدعاء
" الدعاء مفتاح الرحمة"
الدعاء سلاح المؤمن ، حاجاتنا كثيرة و كبيرة، و قدراتنا المادية قليلة، و لقضاء تلك الحاجات لا سبيل لنا إلا بالرجوع إلى الله تعالى ، ليساعدنا على قضاء حاجاتنا، هو الدرب الوحيد، بعد استنفاذ كل الوسائل المادية و المعنوية و غيرها.
بعد كل هذا، هل ستقلع عن ذنوبك و تتجه إلى أبواب التوبة، و تعيش بالحق و مع الحق؟ و هل ستحاسب نفسك بنفسك و تصحح أخطائك؟
دمتم سالمين
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقاتك الإيجابية تسعدنا