التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صمتي السليط - رواية - الجزء الأول

 
صمتي السليط - رواية - الجزء الأول

صمتي السليط - رواية - الجزء الأول

تأليف: زهرة علي


صمتي السليط

 

من هو ياسر


ياسر طالب جامعة في قسم إدارة الأعمال، و كاتب موهوب، يحب الكتابة منذ نعومة أظافره، وكان معلموه يشجعوه على الكتابة الإبداعية ودائماً ما يأخذ العلامة الكاملة في التعبير الكتابي والتعبير الشفوي في المدرسة.

 

بالرغم من إن ياسر يعشق القراءة والكتابة إلا أن والده أصر عليه دخول كلية إدارة الأعمال لأن لها المستقبل الأبرز آنذاك، وقد حاول سلفاً إقناعهم بدخوله لقسم اللغة العربية إلا أن والده رفض التخصص وأخبره أنه لن يدفع له رسوم الجامعة إذا تخصص في مجال هو لا يريده، وبأنه لا يريد إضاعة أمواله في مجال غير مطلوب في سوق العمل.

 

خضع ياسر لأمر والده، وقرر الدراسة في كلية إدارة الأعمال ، مع الاحتفاظ بهوايته المفضلة القراءة والكتابة، لذلك كان يستغل أوقات الفراغ في الجامعة ليغذي هوايته بالقراءة في مكتبة الجامعة.

 

شغف ياسر

 

تمرس ياسر الكتابة سنة بعد سنة، إلى أن قرر أن يتخصص في كتابة السيناريو، كان له حلماً وهو أن يرى الناس كتاباته المكتوبة على الورق في شكل كتاب يقرأ أو حوار يشاهد على شاشات التلفزيون.

 

كان يكثر من مشاهدة الأفلام العربية والمسلسلات ليستنتج بنفسه طريقة كتابة السيناريو، وقد نجح في بعض استنتاجاته بخصوص كتابة المشاهد المقطعة ولكن ظلت بعض الأمور التي يستصعبها.. لذلك قرر الدخول إلى دورة تعلم كتابة السيناريو.

 

ظن ياسر بأن الموضوع سهل مثل التسجيل لأي دورة في الكمبيوتر أو في اللغة الإنجليزية، ولكن الدورة كانت عالية السعر وهذا فوق إمكانياته المادية فحاول صرف النظر عنها إلا أن نفس الفكرة تدور في رأسه وتستفزه، فتدور التساؤلات واحداً تلو الآخر، إذا كان موضوع دورة مفيدة يستصعب عليك فهل ستنجح في تقديم السيناريو الأول لك؟ ما هي أسرار هذه الدورة وهذا البرنامج حتى اصبح السعر مكلفاً إلى هذه الدرجة؟ ما الذي عليّ فعله حتى استطيع الحصول على سعر هذه الدورة؟ ماذا لو صارحت ولدي بحاجتي لهذا المال؟ لا لا لا سيكتشفني ويكتشف شغفي..

 

في مكتبة الجامعة

خطرت في بال ياسر فكرة، وهي الذهاب إلى المكتبة للبحث عن الكتب المختصة بكتابة السيناريو، وبالفعل ذهب إلى هناك بالرغم أنه كان يتوجب عليه الحضور إلى إحدى محاضراته ولكنه لم يعر وقتها أي اهتمام.

 

دخل إلى مكتبة الجامعة واحتار بين الكثير من الرفوف في مختلف التخصصات، فأدار ببصره إلى أمينة المكتبة الجالسة على جهاز الحاسوب خاصتها.. اقترب منها..

ياسر: مرحبا..

أمينة المكتبة: أهلاً.. كيف يمكنني مساعدتك؟

ياسر: أريد جميع الكتب التي تخص كتابة السيناريو.

نظرت إليه مبتسمة وقالت: جميع الكتب!

ياسر: نعم ، جميع الكتب..

أمينة المكتبة: هدء من روعك يا بني، فالحد الأقصى لإعارتك أي كتاب من المكتبة هو أربعة كتب فقط.

ياسر بحزن: أربعة فقط؟

أمينة المكتبة تكتب شيئاً في جهاز الحاسوب خاصتها.. ثم نظرت بابتسامة إلى ياسر..

أمينة المكتبة: انظر إلى القائمة..

ياسر يقترب من الشاشة وينظر مصدوماً فيوجد أكثر من 500 كتاب عن نفس الموضوع..

أمينة المكتبة: هذه أسماء جميع الكتب المختصة في كتابة السيناريو.. وفي كل مرة عليك أن تختار أربعة منها .. ارجعهم فور الانتهاء منهم لأعيرك غيرهم.

ياسر: فكرة جيدة..

أمينة المكتبة: في حال انتهائك من اختيار الكتب.. اعطني بطاقتك لأسجل استعارتك..

ياسر: شكرا جزيلا على مساعدتك..

 

أخذ ياسر أربعة كتب عشوائياً ودون أن ينظر إلى أو يتصفح محتواها أو المواضيع التي تضم الفهرس، وفي المنزل عندما كان ملهوفاً لفتح الكتب وقراءة ما فيها، تفاجأ بأن جميعها تتحدث عن أساليب طفيفة في كتابة السيناريو ومعظم ما جاء فيها قد استنتجه مسبقاً من خلال مشاهداته للأفلام ولمسلسلات، والبعض الآخر يضم طريقة الغرب في كتابة السيناريو وهذا بدوره لن ينفع في التعامل مع الدول الشرقية وعلى الخصوص الدول الخليجية.

 

أصيب ياسر بخيبة أمل من تلك الكتب وبالخصوص أنه أراد تعلم المعلومة من مصادرها ، كما كان يرغب في عمل ملخصات يرجع لها في الوقت الذي يحتاج فيه إليها.

 

وفي اليوم التالي أرجع ياسر الكتب إلى مكتبة الجامعة وبه خيبة أمل، ولم تكن أمينة المكتبة موجودة آنذاك فقد كان هناك رجل أصلع يغطي لحيته الشيب، وعلى جبينه عدة خطوط تدل على خبرته العريقة في الحياة.

 

تقدم ياسر من أمين المكتبة لإرجاع الكتب..

ياسر: مرحبا.. أريد إعادة الكتب.

نظر أمين المكتبة إلى تاريخ استعارتها وقال: لم يمض على استعارتك لها إلا يوم واحد! لابد أنك لم تجد ظالتك.

هز ياسر رأسه إيجابا..

أمين المكتبة: هل تريد أن تصبح سناريست؟ هل هذا ما تبحث عنه؟

ياسر: نعم، ظننت الأمر سهلاً ولكني تعثرت من أول الطريق..

أمين المكتبة: لا تكن مثلي فتيأس..

ياسر: كيف ؟؟ مثلك؟

أمين المكتبة: كنت في شبابي شغوفاً بالقراءة والكتابة، وعندما تمكنت من قراءة ما يقارب 350 كتاباً قررت أن أكتب كتاباً.

ياسر بلهفة: كتاباً؟ كيف ذلك!

نبس أمين المكتبة بصوت خافت: نحن هنا في المكتبة ومرتادين المكتبة يحتاجون إلى الهدوء.. تعال معي إلى الحديقة الخارجية لأحدثك عن ما أعرفه، ثم أنه نبه أحد الموظفين لإستلام مكانه ، وإنهاء إجراءات استعارة الكتب التي كانت معه..

 

في حديقة الجامعة

تمشى معه أمين المكتبة في صمت، ثم جلسا على كرسي أبيض تحت ظلال الشجر..

أمين المكتبة: اسمي دكتور أحمد، وينادوني المقربين بآكل الكتب، لأني أقرأ الكتب بشراهة وكأني أتناول وجبة دسمة لذيذة ولا استطيع مقاومة الكتب، لذلك تجدني في المكتبة.

ياسر: تشرفت بمعرفتك يا دكتور أحمد .. أنا ياسر طالب وفي كلية إدارة الأعمال، أعشق القراءة والكتابة الأدبية ولم أتخصص في كلية الآداب بناءاً على طلب والدي..

أمين المكتبة: حدثني يا بني .. لماذا ترغب في معرفة أسرار السيناريو؟

ياسر: أردت الاشتراك في أحدى الدورات الخاصة بكتابة السيناريو ولكنها مكلفة، فلجئت للمكتبة لعلي أجد طرقاً مفصلة وأساليب واضحة لأعمل على ذلك بنفسي، ولكني تفاجأت بأن جميع الكتب التي استعرتها سطحية ولا تخدم ما أريده بسهولة..

أمين المكتبة: هل تعرف ما معنى الدورات؟

ياسر: نعم .. بالتأكيد.. تعليم وتدريب متقن.

أمين المكتبة: لا.. الدورات هي خلاصة خبرات في مجال محدد.. ولنأخذ على سبيل المثال الدورة التي رغبت بالالتحاق بها هي دورة كتابة السيناريو.. سيعلمك المعلم من خلاصة خبراته العلمية والعملية، وحتماً سيعطيك خطة للكتابة تغنيك عن كل الكتب وكل البحوث التي ستقرأها من مواقع البحث العلنية، كما ستوفر عليك الوقت والجهد وستبدأ في تنفيذ فكرتك مباشرة بخطوات واثقة.

ياسر: كلامك صحيح .. ولكن ليس باليد حيلة..

أمين المكتبة: أمامك خيارين .. إما أن تنسحب أمام رغبتك في تعلم كتابة السيناريو وتكون مرتاحاً أو أن تواجه الحواجز المنيعة لتصل لمبتغاك.

ياسر: إنهما خياران صعبان! هل واجهتك مثل المشكلة مسبقاً؟

أمين المكتبة يقف مترجلاً عن الكرسي وينظر باتجاه الشمس الساطعة بعد أن يزيل نظارته من وجهه..

أمين المكتبة يتنهد ثم يقول: كنت أريد سابقاً أن أدخل في مجال الفن ، والجميع كان يحبطني ، وهذا ما اعني به الحواجز، إذا ما استمعت إلى المحبطين واستسلمت فستعيش حياة عادية دون متعة الوصول للهدف.. جرب وجازف وأكسر الحواجز فلن تهدأ لك بال ما لم تحقق ما يدور في رأسك.

ياسر: وهل كنت تريد أن تصبح سيناريست؟

التفت أمين المكتبة إلى ياسر بحزن وقال: إن جل ما توصلت إليه أن متاهات الفن مظلمة، ولا أريد الغوص فيها فتغرقني وتغرق موهبتي وتحطمني، ولو كانت واضحة ومضيئة مثل الشمس لرأيت الكتاب في كتبهم والسيناريست في مقابلاتهم يتكلمون جهراً عن تجاربهم.

ياسر: لم افهم شيئاً!

أمين المكتبة: إذا وصلت لهدفك فبشرني .. فأنت تعلم أين هو مكاني .. اذهب الآن وخذ وقتك في التفكير إلى أن تتخذ قرارك.

 

ثم غادر أمين المكتبة الحديقة، وظل ياسر في حيرته..

 

في المساء

حل المساء ومازال ياسر في غرفته  يفكر بينه وبين نفسه ولم يفتح موضوع الدورة التي باتت تشغل باله مع والده.. ونام تلك الليلة متقلباً..جاءه في المنام كابوساً يريه كل الحقيقة التي يهابها..

 

في صحراء قافلة ومظلمة، مشى ياسر بخطى متعبة متصبباً العرق من كثرة المشي والعطش، إلى أن وصل إلى ما يشبه المغارة الجبلية الضخمة، وكان متردداً في الدخول إليها، ولكن لا مفر إلا المواجهة وخوض التجربة.

 

وقف أمام بوابة تلك المغارة الجبلية الضخمة يتأمل فيها، فوجد حاجباً قد جاء إليه مسرعاً.

الحاجب: من أنت؟ وماذا تريد؟

ياسر: اسمي ياسر.. أنا عطشان أريد أن أروي عطشي..

قدم له الحاجب الماء البارد ليرتوي، ثم عرض عليه  أن يروي فضوله في معرفة ما يدور داخل المغارة من متاهات.. ووافق ياسر على الفور.

مشى الحاجب ومعه مصباح يدوي ليضيء لهما الطريق المظلم، وخلفه ياسر يراقب بصمت، مشوا معاً في ممر طويل وضيق، إلى أن وصلا إلى مفترق من الطرق، فتوقفا.

قال الحاجب: هذه الطرق تكشف أسرار الفن المظلم..

ياسر باستغراب: أسرار الفن؟

قال الحاجب بثقة: أو ليس أنت ياسر الذي ترغب في معرفة متاهات الفن المظلمة التي كلمك عنها دكتور أحمد.

ياسر: كيف عرفت؟

الحاجب: لا يهم كيف عرفت، ولكن الآن عليك أختيار أحد هذه الطرق وسنكتشفها واحداً تلو الآخر.

ياسر: لنبدأ بالطريق الذي على اليمين.

الحاجب: اختيار موفق.. حتى تتدرج في معرفة تلك الأسرار التي تتوق لمعرفتها والتي تؤرقك ولا تجعلك تنام ليلاً..

 

المتاهة الأولى

دخلا إلى ممر أضيق مما كان عليه الممر السابق.. تقدم الحاجب وتقدم ياسر.. ثم وصلا إلى قاعة كبيرة جداً بها مكتب وشخص واحد معه العديد من الطلبات والأوراق وأمامه طابور كبير من الناس بمختلف الأعمار.

 

ياسر: ما هذه القاعة؟ من هؤلاء؟ وبماذا يطالبون؟

الحاجب: هذا الطابور عبارة عن أشخاص لم تصلهم حقوقهم، هم خليط من الممثلين والممثلات الذين مثلوا أدوار البطولة وكذلك الكومبارس، وأولئك مجموعة من الكتاب والكاتبات المؤلفين المخضرمين للسيناريو.

ياسر: أي نوع من الحقوق يطالبون؟

الحاجب: يطالبون بحقوقهم المادية ومستحقاتهم المالية أي ما يسمى بالراتب.

ياسر: ولكني أعرف معظمهم.. أو ليس ذلك الكاتب الفلاني الذي اشتهر فيلمه وحقق أعلى نسبة مشاهدات في مختلف القنوات الفضائية..

الحاجب: بالضبط .. هو كذلك.. لقد وقعوا معه عقداً بأن يعطوه أرباحاً إذا ما حصل ذلك الفيلم على أعلى نسبة مشاهدات ولم يوفوا بوعدهم.

ياسر: تعني شركة الإنتاج؟

الحاجب: ولم يعطوه المستحقات الأساسية المسجلة في عقد العمل.

ياسر: ألا يتوجب أن يكون معه محامي أو أن يشتكي عند المحاكم؟

الحاجب: المحامي يطلب أتعاباً جراء عمله وليس كل شخص يملك الأموال للدفع، وتطول مثل هذه القضايا في المحاكم لذلك يلجأ كل صاحب حق لأخذ حقه بنفسه وإن طالت المدة.

ياسر: وتلك الممثلة المشهورة أنا أتابع جميع مسلسلاتها، وتمثيلها جداً واقعي، ولم أتوقع يوماً بأنها لم تحصل على أجرها جراء ذلك الدور المقنع.

الحاجب: لم ترى شيئاً بعد.. انظر إلى الكومبارس الذين اضطروا للعمل من أجل لقمة العيش ومن أجل إطعام أبنائهم، ولم يحصلوا على مستحقاتهم البسيطة للآن، وكأنهم يطلبون صدقات..

ياسر: ما أجمل أن يحصل المرء على مستحقاته في وقتها المناسب، فهي تعمل كحافز لإنتاج المزيد..

الحاجب: قد يقضي البعض عمره في انتظار صدفة لن تأتي، فإن البعض الآخر يقرر ان يصنع الفرصة بنفسه .. وهذه فرصتك لكسب حكمة من أحدهم، هل تريد أن تكلم أحدهم قبل أن نذهب للمتاهة الثانية؟

ياسر: بالطبع أريد أن أتكلم مع ذلك السيناريست المشهور..

 

اقترب ياسر من ذلك السيناريست، كان رجلاً كبيراً في السن، لحيته خفيفة وبيضاء، وشعر رأسه أبيض وخفيف، وهو نحيل الجسم..

ياسر: هل يمكنك أن تقدم لي حكمة أو نصيحة لأني أريد أن أكون كاتب سيناريست مثلك؟

السيناريست المشهور: مثلي؟ لا أنصحك بأن تكون مثلي، بل أحسن مني.

ياسر: وكيف يكون ذلك؟

السيناريست المشهور: ابدأ حيث انتهى به غيرك ، ابتكر الجديد ، ولا تنسى أن تحفظ حقوقك المادية مبكراً.

 

ثم تنحى جانباً عنه وكأنه يريد إنهاء الحديث ولا يريد الإطالة في التفاصيل التي يبدو أنها مؤلمة بالنسبة له.

 

المتاهة الثانية

واصل الحاجب وياسر طريقهم فدخلوا للمتاهة الثانية، وإذا بمجموعة من المصورين والمنتج والمخرج وممثلين وممثلات..

كان الجميع مستعداً بنصوصهم وكاميراتهم التصويرية، وكانوا ينتظرون أحد الممثلين ليكملوا المشهد التمثيلي..

اقترب الحاجب من الممثلة الكبيرة: منذ متى وأنت تنتظرين؟

الممثلة الكبيرة: منذ غروب الشمس ونحن ننتظر أحد الممثلين الكبار لينهي المشهد، وقد اقترب الفجر ولم يأتي بعد!

ياسر: ألم يخبروه سابقاً بالوقت المحدد؟

الممثلة الكبيرة: بلى، يوزع المخرج جدولاً زمنياً على الممثلين و طاقم العمل ليخبرهم بمواعيد تصوير المشاهد، ولكن البعض يتخلف عن الموعد، ضارباً برأس الحائط بالآخرين الملتزمين بالوقت، وقد فاتني حضور حفلة عيد ميلاد حفيدي بسبب هذا التأخير، والحمدلله إني قد حملت معي حبوب الضغط لكي أتناولها في الوقت المحدد.

ياسر: ظننت بأن المواعيد دقيقة في مثل هذه الأعمال..

الممثلة الكبيرة: تنتهي حياتك في اليوم الذي لا تلتفت فيه إلى الأشياء المهمة.

ياسر: وما رأيك بالنجاح؟

الممثلة الكبيرة: النجاح 10% إلهام و 90% عمل..

الحاجب: هل ننتقل للمتاهة التي بعدها؟

ياسر: نعم بالتأكيد، فأنا أتعلم من تلك الحكم .

الحاجب: المتاهات القادمة أصعب بكثير من السابقتين وتحتاج إلى قلب قوي، فهل تريد المواصلة أو الخروج من المغارة؟

ياسر: أيها الحاجب لنواصل طريقنا.

 

المتاهة الثالثة

واصل ياسر والحاجب طريقهم فوجدوا غرفا محكمة الأغلاق، وبها أصوات عالية من تشجيع الجماهير مع رائحة نتنة تصدر منها، وحاول ياسر فتح تلك الأبواب ولم يستطع..

الحاجب: لا انصحك بفتح تلك الأبواب، فمفاتيحها ليست معي ، وإنما مع الجمهور الذي بالداخل وتسمع صوت تصفيقه المدوي.

ياسر: وما الذي بالداخل؟ وما تلك الرائحة النتنة؟

الحاجب: إنها رائحة اللحم الرخيص الذي تنتجه بعض الشركات التجارية، وتلك هي أصوات المشاهدين الذين يحبون ذلك النوع من المسلسلات والأفلام الرخيصة، فهل فهمت قصدي؟

ياسر منكساً رأسه: للأسف ، ليست الأقلام بضمير واحد..

الحاجب: ليس هناك من يعطيك حكمة في هذه المتاهة، ولكن أتمنى أن تستنتجها بنفسك.

ياسر: القلم أمانة نبني به أجيالاً صالحة.

الحاجب: الأفضل لنا أن لا نلوث أبصارنا وعقولنا بما يوجد بالداخل ، فهل نغادر هذه المتاهة؟

 

المتاهة الرابعة

 

واصل ياسر طريقه مع الحاجب، وهذه المرة وجدوا مسرحاً كبيراً، فيه الكثير من المشاهير والجوائز الكبيرة، ويكرم فيه عدداً كبيراً من المنتجين والمخرجين والكتاب والممثلين والممثلات.

الحاجب: راقب بصمت ولا تصدر صوتاً.

اومأ ياسر موافقاً: حسناً

تم تكريم بعض من مشاهير التواصل الاجتماعي .. مع صوت تصفيق مدوي..

الحاجب: هل تعلم بأن معظم من يوجد في الحفل قد اشتروا جوائزهم من أجل أن تزداد شهرتهم.

ياسر: ولكن هذا ليس عدلاً..

الحاجب: انظر إلى ذلك الكاتب القدير، له أكثر من 30 عملاً ناجحاً ولم يتم تكريمه إلى اليوم، وفي اليوم الذي يموت فيه سيستدعون عائلته لتكريمه.

ياسر: وما فائدة التكريم بعد الموت، إذا لم يشعر بها في حياته كيف سيهنئ بها في مماته.

المذيع ينادي أحدهم ليستلم جائزته..

الحاجب: انظر إلى هذا الشخص ، لقد حصل على هذا التكريم بالحيلة، فقد غير اسم كاتب السيناريو المبتدئ ونسب العمل إليه ، وعندما نجح العمل تم تكريمه..

ياسر: هذا إجحاف، كيف يحفظ السيناريست المبتدئ حقوقه؟

الحاجب: لا بأس.. هذا شيء بسيط مما يحدث في باقي المتاهات..

ياسر: لا أيها الحاجب.. أكتفي بذلك فقد قالها دكتور أحمد سابقاً، ولم افهم قوله حينها..

الحاجب: وماذا قال؟

ياسر: قال دكتور أحمد" أن متاهات الفن مظلمة، ولا أريد الغوص فيها فتغرقني وتغرق موهبتي وتحطمني، ولو كانت واضحة ومضيئة مثل الشمس لرأيت الكتاب في كتبهم والسيناريست في مقابلاتهم يتكلمون جهراً عن تجاربهم."

الحاجب: افهم من كلامك أنك استسلمت.

ياسر: لم استسلم بعد، عليّ أن أجد طريقاً يصلني لتلك الدورة.

الحاجب: ألا تريد مواصلة الطريق؟

ياسر: لا، هيا نعود ادراجنا..

الحاجب: لن تستطيع الخروج من البوابة التي دخلت منها، بل عليك أن تمر من هذا الطريق المنزلق لتصل إلى وجهتك، وربما سيساعدك على اتخاذ قراراً صائباً.

ياسر: شكراً لك أيها الحاجب لقد ساعدتني كثيراً، وتعلمت منك الكثير من خلال إرشادك لي في المتاهات، كيف أصل إليك إن احتجتك.

الحاجب: ستجدني معك بمجرد التفكير بي ستجدني أعطيك رأيي بكل صراحة.

ياسر: لن أنسى معروفك معي ما حييت.

الحاجب: يجب أن أرجع إلى عملي أمام البوابة، وأنت أنهي طريقك من خلال عبور المتاهة المنزلقة بهذا الاتجاه..

 

متاهة منزلقة

مشى ياسر بضع خطوات في المتاهة المنزلقة وإذا به ينزلق على ظهره  في ممر طويل ممتلئ بقطرات الماء المتساقطة من ذلك الكهف المظلم.. حتى سقط في بحيرة ماء غزيرة ، وظل يطامر بكلتا يديه ليحاول استعادة نفسه، وهو يصرخ بأعلى صوته لإنقاذ نفسه..

ياسر بصوت عالي: أيها الحاجب انقذني .. أيها الحاجب

 

كابوس مزعج

تجمع كل من في المنزل في غرفة ياسر بعد سماع صوته وحاولوا ايقاظه من ذلك الكابوس المزعج

والد ياسر: ياسر.. ياسر.. استيقظ.. ما بك

ياسر يفز من مكانه: أيها الحاجب أنا أغرق

ياسر يفز من مكانه وينظر حوله والده ووالدته وأخواته..

والدة ياسر: يبدو أنه كابوساً مزعجاً..

أخته ريم: هل أنت بخير يا أخي.. ماذا حل بك..

 

لم يستطع ياسر أن يبوح بما رأى ولا بما يفكر ، فأجهش بالبكاء واحتضن والدته بدموع جارية.

ياسر: أمي .. أبي.. أنا تعبان .. أنا احتاجكما.. لقد غرقت في ذلك الكابوس ولم استطع انقاذ نفسي لولا أن انقذتموني الآن..

قدمت أخته رباب كأساً من الماء..

 

والد ياسر: أخرجوا جميعا، ودعوني فأنا ووالدتكم نريد التحدث على انفراد مع ياسر..

خرجت أخوات ياسر من الغرفة وأغلقن الباب وهن في قلق وضجر على حال أخيهم ياسر.

 

اعتراف ياسر 

والدة ياسر: لقد صار لك فوق الأسبوع وأنت تخفي أمراً ما يزعجك.

والد ياسر: أخبرنا بما تفكر فيه وما يشغل بالك.

قال ياسر متردداً: اريد الاشتراك في دورة لكتابة السيناريو، وسعرها غالي الثمن ، وأظن أنها ستنفعني مستقبلاً وتدعم موهبتي في الكتابة.

والد ياسر: تظنني سأحرمك من أن تطور من نفسك حتى لو كان خارج مجال تخصصك الدراسي؟

ياسر: كنت افكر في الاعتماد على نفسي للحصول على تلك الدورة ولم أجد السبيل بعد وهذا ما يرهقني ويجعلني كثير التفكير.

والدة ياسر: أنت تعلم جيداً أن ياسر ولد هادئ وعاقل وليس كباقي الشباب، وإنما ينظر للمفيد ليعمله، وعلينا أن نشكر الله على نعمة الولد البار والمحترم والخلوق..

والد ياسر: بالطبع أنا فخور بك يا بني .. لذلك سأعطيك مبلغ تلك الدورة واشترك فيها ولكن بشرط أن لا تفرط في دراستك الجامعية وأن تنظم وقتك وتفرق بين الهواية والدراسة..

ياسر: اعدكم بذلك وبأن اضاعف جهدي نحو الممتاز.

 

قبل ياسر رأس والده ووالدته وشكرهما على موقفهما الذي لن ينساه..

لم يتوقع ياسر قبول والده بدفع مبلغ الدورة الكبير بكل سهولة، ويبدو أنه فهمه بالخطأ، وبالخصوص أنه أجبره سابقاً على تخصص دراسي لا يرغب فيه، لذلك أخذ منه موقفاً جداً، والآن بدأ يعي رسالة والده تدريجياً، فلو خسر في تنمية موهبته تكون لديه وظيفة ثابته وشهادة مضمونة لمستقبله تختلف عن الوظيفة ، فالهواية تكملة لما هو أساسي في الحياة وهو الشهادة.

 

سجل ياسر دورة كتابة السيناريو والتي كانت كحلم يستحيل تحقيقه، وبدأ التركيز في دروسها ويسجل استنتاجاته على الورق ويجمعها في ملف خاص يرجع له في الوقت الذي سيبدأ فيه مشوار كتابة السيناريو الأول له.


اليوم الأول من دورة السيناريو

وفي اليوم الأول عرف المحاضر نفسه على الحضور، ثم تعرف عليهم واحداً تلو الآخر..

 

جوهر: أنا اسمي جوهر، والكثيرين منكم يعرفوني، أنا ذلك الممثل القديم والمخرج والسيناريست، ولقد انتقلت تدريجياً من ممثل إلى مخرج إلى كاتب سيناريو، والآن أنا هنا أعطيكم من خبراتي المكتسبة لكي تنجحوا في كتابة السيناريو الأول لكم، وعددكم محدود هنا في الدورة، فقط 9 أشخاص، وهذا دليل على إصراركم على الحصول على الدورة رغم ارتفاع سعرها، لا أريد التحدث كثيراً فهل تعرفوني على أنفسكم وتخصصاتكم إن وجدت؟

 

مها: اسمي مها وتخصصي هو اللغة العربية، وأريد أن أكون سيناريست لأكتب أعمالاً باللغة العربية الفصحى فقد ضاعت لغتنا الأم بين بعض الأعمال غير الهادفة.

عبدالله: اسمي عبدالله وتخصصي هو الإعلام، وأريد أن اتعرف على الفن و أسراره من باب تعلم السيناريو.

رهف: اسمي رهف وأنا ربة منزل، ولدي أفكار كثيرة لقصص تدور في مخيلتي أريد أن أترجمها على شكل سيناريو يشاهد..

عرف كل واحد نفسه في المجموعة إلى أن جاء دور ياسر الذي تبدو عليه علامات الحياء والارتباك، فظهر له الحاجب في مخيلته ليدعوه للتحدث

الحاجب: هيا عرف بنفسك بثقة، فأنت الأقوى بينهم.

جوهر: تفضل عرف عن نفسك!

ياسر: اسمي ياسر وتخصصي هو إدارة الأعمال، هوايتي القراءة والكتابة وأرغب كثيراً في أن أدعم موهبتي بكتابة السيناريو.

 

جوهر: أحسنتم جميعاً، الرغبة والفضول وحب التعلم هو ما دعاكم للتعلم في هذه الدورة، استمعوا لي جيداً فكل كلمة سأقولها الآن مهمة جداً ويجب أن تطبع في أذانكم... كل إنسان بداخله جوهرة مظلمة، اما أن يضيئها بضميره الحي ويكتب مراعياً مختلف المستويات من الصغار والكبار والمثقفين وغيرهم، أو يجعلها مظلمة تفسد عقول الأجيال القادمة بما ستكتب.

 

رهف: هل ممكن أن تكلمنا عن عناصر وخطة هذا البرنامج؟

 

جوهر: بالتأكيد.. سنتحدث عن السيناريو بالتفصيل المهم، وسأنضم رحلة مع المجموعة للمسرح ولمواقع التصوير وإلى إحدى القاعات لنشاهد فيلماً ونحلله، وسأعلمكم أفضل طريقة لكتابة السيناريو، وعليكم أن تطبقوا ما تعلمتموه بشكل يومي وسأتابع معكم، وسأعطيكم مهلة شهرين فقط لإكمال السيناريو الأول، وستعرض بعدها كتاباتكم على لجنة تختار فيها الفائز الذي ستكون جائزته تصوير ونشر السيناريو الخاص به وسيظهر اسمه على شاشات التلفزيون.

عبدالله: رائع!

ياسر: وهل سيتقاضى الفائز أجراً مقابل عمله؟

جوهر: نحن نخدم الأجيال بكتاباتنا الحقيقية.. نظهر مشاكلهم ونجد العلاج المناسب لها.. ولا نكتب من أجل أن نحصل على أجر مادي..

الحاجب لياسر: إنها خدعة يخدع بها المبتدؤون في أي عمل ويظلل بهم حتى لا يطالبون بحقوقهم المشروعة .. احذر.. ولا تثق بأي أحد هنا مهما أعجبك كلامه ومهما كان طيباً معك.. ولقد رأيت بنفسك في المتاهة الأولى أعداد الذين يطالبون بحقوقهم.

 

مها: هذا يؤكد مقولة "الفن لا يؤكل عيش"

جوهر: يجب أن تكتب لهدف سامي.. هذا جل تركيزك الذي يجب أن تقوم به.

عبدالله: وإذا أراد المرء أن يتخذ من الكتابة مصدر رزق أو وظيفة ثابته؟

جوهر: هذا من الدروس التي كنت قد وضعتها في النهاية ولكن يبدو أني سأناقشها في البداية.. ولكن علينا أن نمشي تدريجياً وسأجيب على جميع تساؤلاتكم.. لأنه لدينا دروس تأسيسية مهمة ولا نريد أن نتأخر عن خطة البرنامج المعد.

 

 

 



 

 انتظروا الجزء الثاني..

زهرة علي

 

 

 

 



تعليقات

  1. روعة وكأني في عالم آخر 👏 مبدعة كالعادة

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً على مرورك اللطيف على مدونتي

      حذف

إرسال تعليق

تعليقاتك الإيجابية تسعدنا

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تفعيل أسماء الله الحسنى

  تفعيل أسماء الله الحسنى قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الأعراف- 180               للأسماء الحسنى تأثير كبير على الإنسان المؤمن، ويكون هذا التأثير في الدنيا والآخرة "يوم القيامة"، فرحمة الله سبحانه وتعالى تتجلى من خلال الأسماء الحسنى وتتجلى بركة الأسماء الحسنى في الدنيا وفي الآخرة، فهكذا عفوه "جل وعلى" فالإنسان عندما يحتاج إلى الاحتياجات الأساسية من طعام أو شراب يتجلى له رزقه بأسم الله الرزاق، وحينما يحتاج إلى الأمان والحفظ والحماية فحينها يتجلى إليه بأسم الله الحفيظ، وعندما يحتاج إلى المحبة   فحينها يتجلى في اسم الله الودود، وبهذه الطريقة نفعل أسماء الله الحسنى.  

أوراد قرآنية لتحقيق الأهداف

  أوراد قرآنية لتحقيق الأهداف أحببت أن أجمع هذه الأوراد المجربة، وهي مجموعة أوراد مقتبسة من آيات قرآنية ومن أسماء الله الحسنى، ولقد رأيت في أن أشارككم فيها لعلي أنفع بها من هو أحوج إليها، ومن يحب أن يجدد في أوراده لقضاء حوائجه وتذوق حلاوة القرب من الله سبحانه وتعالى. قمت بتقسيمها كالآتي، وأسأل الله ينفعني وإياكم بها. أولاً: أوراد الفتح وهي الأوراد الخاصة بالفتح لأي هدف تريده أي تستخدمه بشكل عام لأي هدف ، وكل ما عليك هو أن تستحضر هدفك وتردد الورد باستشعار تام، والله ولي التوفيق. - (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا) - ( وأثابهم فتحاً قريبا) - ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) - ( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه) - ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) - ( نصر من الله وفتح قريب) - ( وفتحت السماء فكانت أبوابا) - ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) - ( اللهم فتح مبين) - ( اللهم افتح لي أبواب خيرك ولطفك) ثانياً: أوراد لنيل البركة والتيسير من الله تعالى - (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) - ( حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) - ( بديع السماوات والأرض و

ساق البامبو والحظ

  ساق البامبو والحظ البامبو – حظ – حب – وفرة   تعتبر نبتة “البامبو” من النباتات المنزلية المعروفة بأنها تجلب الحظ والمال، والنصيب، وخاصة عندما تهدى من شخص لأخر .