عتاب الأربعين - قصة
عتاب الأربعين
40 سنة
بقي لسميرة 5 شهور لتكمل
الأربعين عاماً من عمرها.. سميرة مشهورة اليوتيوب .. قررت فتح بث مباشر عفوي بينها
وبين متابعينها المحبين لها..
وضعت إضاءة خافتة على ضوء
الشموع.. وكأس ماء بارد وجلست على الكرسي ..
تنهدت سميرة أمام كاميرا
الفيديو التي تصور منها.. ثم استرسلت حديثها..
مرحبا يا متابعيني
الأعزاء.. اليوم أردت أن يكون البث عفوي بيني وبينكم .. أريد أن أفضفض لكم عن ما
بداخلي.. وسأدخل في الموضوع مباشرة.. وأي تعليق في الموضوع أكتبوه لي وسأرد عليه..
تنهدت وأخذت نفساً
عميقاً ثم بدأت حديثها بحماسة..
قريباً سأدخل سن الأربعين
عرفت الآن لما استبدلوا
كلمة سن اليأس (بسن
الأمل) ..
ورقم 40 بجملة (العمر
مجرد رقم)
ربما لكي يزرعوا الأمل
فينا ولا يؤذوا مشاعرنا..
تصمت سميرة برهة... ثم
تتكلم بصوت منفعل..
تريدني أن أكون إيجابية!
إذاً أخبرني!
هل يوجد جامعة غير
تجارية تقبلني لتلقي العلم بدون أن تضع شرط العمر؟
هل هناك وظيفة ثابته
تناسبني أو تقبلني وأنا في هذا العمر؟
تنبعث رسائل نصية من البث
"ولكن شكلك لا يوحي
بالأربعين"
"مازلت في مقتبل
العمر"
"جميلة أنت في جميع
حالاتك"
أنت يا من تحدثني الآن..
هل الشكل أهم من المشاعر لديك!
قد يكون هناك سبيل
لإخفاء علامات تقدم العمر بمساحيق التجميل وبعمليات التجميل المكلفة، وقد يكون
هناك سبيل لبدء عملك الخاص...
ولكن هناك ما هو أهم
توقفت سميرة عن الكلام
.. أخذت منديلاً من المنظدة التي بجانبها ومسحت دموعها
ثم واصلت حديثها..
شعرت بأني يائسة بائسة
.. فالكثير ممن هم في عمري وحتى أقل من عمري قد سبقوني بفطنتهم وحققوا آمالهم..
ربما وجدوا من يسندهم ويشجعهم، وربما هم من أسندوا وشجعوا أنفسهم بنفسهم..
جلست لوحدي أحاسب نفسي على الأيام التي خلت، ما الذي
فعلته؟ وما هي إنجازاتي؟ وهل حققت جميع أحلامي أو النصف من طموحاتي؟
رأيت الدموع تحرق خافقي وهي تتحادر على خدي مختلجةً
بمشاعر الحزن والألم الذي يعتصر قلبي..
عشت طفولتي أسمع وأطيع أوامر من هم أكبر مني وأحاول
إرضائهم وتحطيم أحلامي الطفولية، حُرمت حتى من مجرد التفكير في خيال يدور في رأسي
بأن أمتلك عصاة سحرية تحقق لي حلمي أو تحقق حلماً وأماني لمن هم حولي ويهواهم
قلبي.
كنت أتمنى تلك العصا السحرية التي أراها لدى الساحرات في
الأفلام الكارتونية..
أردتها أن تحقق حلم والدتي لكي تحقق حلمها في أن تستطيع
الكتابة بسهولة وتتخطى كل المصاعب التي تواجهها كونها أمية، وأن أجعلها مثل
الأميرات يقوم بخدمتها العاملات وتكون هي الآمرة الناهية.. نستمتع معها ونغدق من
حنيتها وطيبتها..
أردتها أن تحقق حلم والدي، وفي أن يكون لديه الكثير من
النقود لكي يستطيع شراء احتياجاتنا الأساسية من مأكل ومشرب، فكان يملك القليل،
وكنا نتقاسم رغيف الخبز بيننا .. نحن الأخوة العشرة، فالبعض يبات جائعاً والبعض
يحلم بالطعام اللذيذ الذي نرى إعلاناته على شاشة التلفاز القديمة.
أردت أن أحقق حلم أخي لشراء سيارة ليست بفارهة ولكنها
سيارة لا يتم إصلاحها كل يوم.
أردت أن احقق حلم أختي في امتلاك الكثير من الفساتين
والأحذية الأنيقة ذات الكعب العالي، فقد كانت تنظر لمعلماتها في المدرسة وإلى
ملابسهن الأنيقة وتتمنى لو كانت تمتلك تلك الملابس..
أردت أن أحقق حلم أختي الكبرى في الدراسة في الجامعة،
فقد كانت متفوقة، ولكنها لم تستطع الالتحاق بالجامعة ففي آخر سنة من الثانوية مرضت
جدتي وكانت تعتني بها طوال الليل فضعف مجموعها، ولم يستطع والدي الدفع لها
للالتحاق مع زميلاتها..
أردتها لأحقق حلم عمي في الزواج ممن يحبها والذي كان
يكدح ليل نهار من أجل أن يجمع مهراً يرضي به والدها الذي طلب مهراً كبيراً.
أردت أن أحقق حلم جارنا الكبير وأجعله يرى.. وأخلص بنات
جيراننا من تسلط زوجة أبيهم.. واشتري أجمل الهدايا لأطفال الحي..
أردت......
الكثير
لذلك كل ما يسمعني أحدهم أتمنى تلك العصا السحرية ، يسخر
مني ويسكتني... إلى أن كبرت وعرفت بأن معهم حق.. وتخليت عن الخيال وأصبحت أكثر جدية..
تنبعث رسالة نصية من البث المباشر
"وما الذي أردتي أن تحققيه لنفسك؟؟؟؟"
تبتسم سميرة بسخرية
لنفسي.. كنت أرى سعادتهم من سعادتي، وأنهم إذا سعدوا
سأسعد أنا أيضاً...
كبرت وأصبحت جادة حتى في ابتسامتي.. وما الذي حققته في
فترة شبابي.. دبلوم تسويق !
لا يساوي شيء.. فقد تم معادلته مؤخراً مع الثانوية
العامة.. مع أني أحمل مهارات عالية من ذلك الدبلوم إلا أنه لا يؤهلني لشغل وظيفة
براتب مجزي..
تقرأ الرسالة النصية..
"وماذا عن العمل؟ "
جميع الوظائف مؤقته ..
" هل يعقل خلال الأربعون سنة لم تجدي وظيفة ثابته؟"
نعم، هذا ما حصل.. لا تأمين ولا وظيفة.. ولا راتب .. ولا
حتى أمل في أن يوظفني أحد في مثل هذا العمر..وحتى أرباح اليوتيوب من فن الطبخ.. لا
تغطي أحتياجاتي الأساسية..
"وهل تزوجت؟"
والزواج؟ تزوجت و انجبت وما زال المجتمع يعايرني بأني
انجبت طفلان فقط.. يريدوني أن انجب الكثير من الأطفال.. وهل يوجد أمل في الإنجاب
بعد هذا العمر؟ العلم عند الله..
توقفت سميرة لتقرأ الرسائل النصية..
رسالة نصية
"أحمدي الله على نعمة الزواج والأنجاب فأنا
شارفت على الانتهاء من الأربعين ولم أتزوج بعد"
"أنا لي 10 سنوات متزوجة ولم أنجب بعد.. هذه
نعمة.."
"لا عليك ممن هم حولك اثنان خير من صفر"
"اشكري الله على النعم"
"وهل حققت شيئاً لآخرتك؟ "
حاولت الالتحاق بمراكز حفظ القرآن وفي كل مرة يكون العدد
مكتمل.. وهذا ما جعلني أبكي..فهل عدم توفيقي في الحفظ يدل على ذنوبي؟
لا يهم ما الذي حققته لدنياي.. المهم هي آخرتي ..
عشرة
وعشرون
وثلاثون
والآن أربعون عاماً
"اذكري إيجابيات تلك السنين"
"ما هو حصاد كل هذه السنين؟"
ليس كثيراً ..
تبتسم
تعتدل في جلستها
يبدو أني كدرتكم بيأسي وسلبيتي .. لنخفف حدة الكلام
السلبي ..
ولنقسم حصاد هذه السنين على اثنان، حصاد دنيوي وحصاد
آخروي
أما حصاد الدنيا
-
فقد وجدت الزوج والأبناء المحبون وعوضت ما لم
أجده في عمري لهم.
-
حتى لو انتكست الحالة
الصحية عدة مرات نحمد الله فنحن أفضل من الكثيرين صحياً.. الحمد لله على نعمة
الصحة..
-
مصروف شهري
-
أبناء في صحة وعافية
-
أهل محبون
-
صديقات مقربات
-
هوايات بسيطة ومحببة
-
منزل بسيط ودافئ
-
جمال رباني
-
الطعام والشراب والملبس
-
الانترنت والأجهزة
الألكترونية المسهلة لأمور الحياة
-
قراءة الكتب
-
دورات مختلفة في
المهارات
-
والكثير الكثير..
الحمد لله على جميع النعم التي أنعمها علي
أما حصاد الآخرة
-
الصلاة في أوقاتها
-
تلاوة القرآن الكريم
-
بر الوالدين
-
الحج بيت الله
-
صيام شهر رمضان
-
تزكية العلم
كانت أمنية حفظ القرآن الكريم جداً قريبة من قلبي.. فهل
سييسرها الله لي؟
توقفت سميرة عن الحديث بعد أن تنفست الصعداء.. وكأنها
غصت بالكلمات..
ثم باشرت الحديث للجماهير المتابعين لها على شاشة
اليوتيوب:
وانتم ما الذي حققتم؟ اكتبوا لي في التعليقات...
"رائع .. لقد ظهرت إنجازاتك"
" تعلمت الطبخ من قناتك الجميلة"
" أنت جميلة في جميع حالاتك .. ارجوك لا
تيأسي"
"عزيزتي سميرة لا تجلدي نفسك بالعتب.."
" الجمال جمال الروح"
"ارجوك لا تيأسي.. ابتهجي فالحياة جميلة"
"العمر والحجم هما مجرد رقم"
" انصحك بقراءة كتاب عندما بلغت الأربعين.. كتاب رائع"
"عيشي اللحظة"
" أنت قوية وجميلة"
شكرا على تفاعلكم وتزويدي بالطاقة الإيجابية.. أحبكم كثيراً..
أغلقت سميرة البث المباشر بعد أن شكرت متابعيها على
ثقتهم وكلامهم المعسول.. ويبدو أنها قد شحنت طاقة إيجابية..
القصة في هذه المرة قصيرة ولطيفة و أحببت أن أجرب كتابة هذا النوع من
القصص المقطعة.. أي كل جملة وحدث يكون في سطر منفصل.. وفي نفس الوقت تحمل عبرة
خفية ...
ترى ما هي نصيحتكم لسميرة ولمن بدأ رحلة الأربعين عاماً..
لا تحرموني من تعليقاتكم اللطيفة..
دمتم سالمين
زهرة علي
ما الفشل إلا هزيمة مؤقتة تخلق لك فُرص النجاح .
ردحذفرائع ما كتبت.. نحن نخلق من الفشل نجاحاً.. فكلما تعثرنا بحجر صنعنا به سلماً نرتقي به نحو النجاح.. لا تقيدنا أعماراً ولا أرقاماً فكل شيء مقدر من الله تعالى..
حذف