التخطي إلى المحتوى الرئيسي

شوق وحسن - قصة

 

شوق وحسن - قصة




شوق وحسن - قصة




شوق وحسن- قصة قصيرة

 

في قاعة الألعاب الكبيرة المملوءة بالأطفال، تجلس شوق وقد هدها تعب السنين تنتظر أطفالها ليكملوا اللعب، هنوف تقفز وسعد يقفز في المساحة الواسعة المخصصة للقفز (ترمبلنق).

 

تقف جانباً المحاسبة التي تحاول إقناع الزبون بأن عملية السحب من البطاقة كانت صحيحة وبأنها لم تسحب مبلغاً زيادة على المبلغ المطلوب، ويقف بجانبها زميلها في العمل الذي يحاول حل المشكلة مع الزبون، ويبدو بأنه يحمل شيئاً من الحب لزميلته في العمل..


 هكذا خمنت شوق نظرات الحب والخوف التي رأتها من ذلك الشاب لزميلته.. ثم قالت بحزن  في أعماقها: نعم هو حب ولكن للأسف لن تكلل قصة حبكما بالزواج.. ثم قاطعها سعد ذو ال10 أعوام منادياً من بعيد: "ماما أنظري إليّ سأقفز عالياً"، فلوحت له بيدها مشجعة له وكذلك لأخته هنوف.

 

ثم جاء زوجها عبدالله وبيده كوباً من القهوة الجاهزة وقدمها لشوق، شكرته، ارتشفت بضع قطرات من القهوة وسرحت بتفكيرها إلى الأيام التي قضتها في العمل مع زميلها حسن، كان شغوفاً بالعمل ومرحاً، ويحب الجلوس مع شوق والتحدث معها ومناقشة بعض الأخبار التي كانت منتشرة في تلك الفترة.

 

كانت جميع نظراته مليئة بالحب والحنان، ولكنه لم ينطق مرة بكلمة "أحبك" رغم أن عيناه مليئتان بالحب وتصرفاته اليومية واتصالاته المتكررة توحي بالحب.

 

مرت 3 سنوات على ذلك العمل، كان يظهر الحب والاهتمام ولكنه لم يكن يبوح به، وكذلك كانت هناك خطوة مهمة لذلك الحب، فكان الخطّاب قد كثروا في تلك الفترة وكثر الرفض ، فكانت شوق تأمل بأن يتقدم حسن لخطبتها، ولكن يبدو أنه ليس جاهزاً مادياً، فراتبه كان ضعيفاً ويضيع على مصاريفه اليومية من لبس وبترول ومطاعم ونزهات مع أصدقائه.

 

تقدم لخطبة شوق حينها الشاب عبدالله، وكان فيه الأخلاق الحسنة وكذلك الاستعداد المادي لتكاليف الزواج، فلم يرى أهل شوق أي عيب يستحق الرفض في هذه المرة، وحاولوا إقناعها بالقبول، وبالخصوص أنها وصلت لسن الخامسة والعشرين، وهو العمر الذي يعتبره الأهل العمر الذي يجب أن لا ترفض فيه الفتاة العريس المناسب حتى لا يفوتها القطار.

 

وافقت شوق على عبدالله بعد الكثير من ضغوطات الأهل، وفكرت بينها وبين نفسها: لو كان حسن يريدني لصارحني خلال كل هذه السنوات بحبه، وبالخصوص أننا نعمل بنفس المكتب وبيننا اتصالات يومية، وأخبرته أكثر من مرة أنه تم التقدم لي لخطبتي، لعله يتخذ موقفاً.

 

بعد أخذ الكثير من الإجراءات لإتمام الزواج، فحوصات قبل الزواج، تجهيزات العروس من حنة وفستان وتسريحة شعر ومكياج .... الخ



أرسلت شوق مسجات لصديقاتها لإخبارهن بخبر خطبتها، كما أرسلت لحسن المسج ذاته فقد عاملته حينها معاملة الزميل، وكأنها تقول: أنا لشخص آخر، أرجوك لا تتواصل معي بعدها.

على الرغم من أن جميع من كان في العمل توقعوا بأن يكون العريس هو حسن، إلا أن شوق صدمتهم بان العريس هو شخصاً آخر، فكل شخص في هذه الحياة لا يأخذ إلا نصيبه الذي كتبه الله له.

 

انهلت عليها التهاني والتبريكات، ويبدو أن حسن شعر بالإحراج وربما بخسارة فتاة ذكية وجميلة ومحترمة مثل شوق، فأرسل لها آخر مسج في حياته يهنئها فيه بهذا الزواج الميمون.. قرأته شوق بحرقة وفهمت حينها أن الزمالة تختلف عن الحب وأنه ربما كان حبها من طرف واحد وهذا يعتبر وهم الحب..


انشغلت شوق بحياتها الجديدة وتجهيزات الزواج، وبعد أن تم الزواج داومت في العمل بعد الإجازة الطويلة التي أخذتها، فبارك لها زميلات وزملاء العمل زواجها، وعندما دخلت لغرفة المكتب لم تجد حسن فيه، سألت عنه، فقالوا: لقد أخذ إجازة لأنه يبحث عن عمل آخر من أجل راتب أكبر.

 

مرت الأيام والشهور، وعند الإشارة الضوئية كانت الإشارة حمراء، أوقفت شوق سيارتها الجديدة التي اشتراها لها عبدالله مؤخراً في المسار الوسط، وجاءت سيارة من الطراز القديم 1982 ووقفت في المسار الأيمن، وكانت تنبعث من السيارة صوت أغنية حزينة للمطرب الراحل "علي بحر"، التفتت شوق وإذا الذي بالسيارة هو زميلها حسن.

 

نظرت إليه وعرفته، ونظر إليها وعرفها، لم يفتح أي منهما نافذة سيارته ليسلم على الآخر، لم يبادلا بعض أي إبتسامة أو أي إشارة ومبادرة بالسلامة ولا حتى ببوق (هرن) السيارة، وربما لا يريد أن يتسبب بمشاكل لإمرأة متزوجة.

 

كان الحزن يرسم ملامحه، وعيناه جاحظتان من كثرة السهر والهم، نظر كل منهما الطريق من أمامه متجاهلاً الآخر وكأنهما لا يعرفا بعضهما، ولكن القلوب كانت تدق كالطبول من قوة نبضها.

 

قالت شوق: كيف لي أن أسلم عليك وأنا على ذمة شخص آخر، وأنا الآن حامل، واستعد لمولودي الأول! لو كنت تحبني لبادرت وتقدمت لي أو أخبرتني أقلها بحبك.

 

في قاعة العاب الأطفال:

عبدالله: شوق .. شوق... شوق.. القهوة بردت أين سرحتِ؟

شوق: لا أبداً .. يبدو أنني متعبة ..

عبدالله: أعلم أنك متعبة.. ولكن علينا أن نخرج مع أطفالنا بين الحين والآخر لنقوى على تقلبات الحياة.

شوق: صدقت

عبدالله: هيا بنا لنذهب للتسوق ، ثم سنعود للأطفال لنصطحبهم للمطعم.

شوق بلطف: أريد أن أتسوق بعض الملابس للأطفال.

 

 

بعد عدة سنوات، وضعت شوق صوراً لأطفالها بمناسبة عيد الأضحى  عند البحر على أحد برامج التواصل الاجتماعي، وكذلك صورة قديمة لأحد الحلويات (ماكنتوش) وكتبت أي لون هو الأحب إلى قلبكم؟ وعلقت شوق: أنا أحب ذات اللون البنفسجي، علق الأهل والمضافين معها تعليقات جميلة  على صور أطفالها ونالت إعجابهم صورة الحلويات.

 

ولكنها تفاجأت بالكثير من علامات الإعجاب والتعليقات على حسابها من شخص مجهول، فأصابها الفضول لتعرف هويته، تصفحت صفحته، ونزلت إلى آخر الصفحة ، وإذا بصورة لحسن مع أحد الأطفال على البحر، كان شعوراً مختلطاً على شوق مع بعض التساؤلات!

 

علقت شوق على الصورة بدون تفكير وكتبت تعليقاً مناسباً للصورة (حفظه الله لك) فرد حسن مباشرةً: إنه ليس طفلي أنا لم أتزوج بعد، هذا ابن أختي.


ارتبكت شوق وتركت الهاتف معاتبةً نفسها: ما الذي فعلته؟ عليّ أن أحظر هذا الشخص من حياتي، وأن أجعل حسابي مغلقاً حتى لا يكتب أي تعليقاً، وحذفت جميع التعليقات التي كتبها على صور حسابها.

 

ولكن صورته مع الطفل ظلت معلقة في مخيلتها، يبدو حزيناً، وكأنه مريض، ماالذي دهاه؟

 

كانت شوق تخشى أن تخرج للتنزه وتصادفه بالصدفة، شوق: لا أعلم إن كان إعجاباً أو حنيناً للماضي! لا أريد أن أخون شريك حياتي الطيب حتى بمجرد التفكير بالماضي.. يجب أن أنسى هذا الوهم وأن أركز على حياتي وأتابع أطفالي في تحصيلهم الدراسي.

 

كانت شوق تلهي نفسها في تعليم أبنائها ومساعدتهم في حل واجباتهم المدرسية، وأصبحت قليلة الخروج من المنزل إلا للعمل.. وكانت دائماً شاردة الذهن وتفكر في ردة فعلها إذا ما التقت بحسن.

 

ثم حاولت تناسي هذا الحب شيئاً فشيئا، وانشغلت بحياتها العملية وحياتها العائلية..

 

وفي أحد الأيام، كانت ليلة القدر، رجعت شوق مع عبدالله  إلى منزلهما ، وبينما كانت تتصفح آخر الأخبار، رأت خبراً مفداه ، وفاة الشاب حسن بعد صراع مع مرض الكلية، وكانت صورته واضحة على المنشور.

 

صدمت شوق من الخبر، وظنت أنه مزحة ففي الفترة الأخيرة كثرت الإشاعات، ولكن الخبر كان صحيح، لم تستطع الكلام ولا حتى البكاء، نظر لها عبدالله : ما الذي حل بك؟

 

شوق وهي ترتجف: هذا زميل سابق في العمل، لقد توفي الآن في هذه الليلة، تخيل كان مريضاً بالكلى ولم أكن أعلم إلا الآن بعد أن قرأت الخبر والتعليقات... مازال شاباً ساعد الله قلب والدته.

 

عبدالله يمسك يد شوق: رحمه الله.. هذا يومه .. لا أحد يعلم متى يكون يومه.. لا تجزعي من أمر الله.

 

تماسكت شوق ولكنها لم تستطع كبح مشاعرها، فتساقطت منها دموع حارقة .. ظلت حزينة لأيام تلوم نفسها في وفاته.. لابد أنه توفي لأنه شعر بالضجر من تصرفاتي.. لم أكن أعلم بانه مريض، لابد أنه السبب الذي جعله لا يبوح لي بحبه.. لابد أنني قتلته بعد أن تجاهلته وصدمته بخبر زفافي.. كنت أحبه لم استطع أن أبوح بهذا السر له، ولم يبح هو لي.. كان يودعني ولم أفهم الرسالة إلا متأخراً.

 

طرق عبدالله الباب المقفل على شوق: هيا تعالي تناولي شيئاً من الطعام، الأطفال يفتقدونك.

شوق: أطعمهم أي شيء، سآتي بعد ساعة.

 

دخلت شوق لدورة المياه واغتسلت بالماء البارد، ثم فرشت سجادة الصلاة، وقرأت شيئاً من القرآن الكريم مع سورة الفاتحة وأهدتها لروح زميلها حسن، ثم بدأت بالاستغفار، وبعد ما شعرت بأن نفسها قد هدئت، خرجت من غرفتها لتحتضن زوجها عبدالله وابنائها هنوف وسعد.


وبدأت شوق حياتها من جديد، وحينما تأتي المواقف أو الذاكرة لتذكرها بحسن ، تقوم بقراءة سورة الفاتحة وتهديها لروحه، فترتاح نفسياً وتشعر بالطمأنينة.

 

الحب كلمة عميقة، ربما لم ينطق حسن بها لأنه لم يرد أن يضر شوق بمرضه، ولم يرد أن ينجب أطفالاً يكونوا أيتاماً من بعده وزوجة أرملة تائهة، أما ووفاء شوق لزوجها هو ما منعها من التواصل مع حسن.

 

لن أكتب أكثر عن الحب، فالكلمة وحدها تفسر معناها سواء بالأقوال أو بالأفعال.

 

 

دمتم بحب

زهرة علي

 

 

 





تعليقات

  1. آه من الحب .. تعاطفت مع كل الأطراف... ولكن هل الأهل اللي بدهم يشوفوا بنتهم سعيدة هم الملامون؟ من الملام في تمزيق تلك القلوب؟ 😭😭😭

    ردحذف
    الردود
    1. غالباً ما يختار الأهل الأفضل لابنتهم ، فهم مروا بتجربة سنين طويلة ويعرفوا معادن الناس.. أنا شخصيا أثق كثيرا باختيارات الأهل .. فهم أصحاب خبرة طويلة ، وأتكلم هنا عن العائلة السوية ، بعكس العائلة الغير سوية التي تبني سعادتها على سعادة ابنائها مثل تزويج الأبناء لتقريب صفقات العمل بين العائلتين أو يعرفوا أن الشخص يملك مالا ولا يملك أخلاقاً ويزوجوه لابنتهم .. ولي الأمر له دور كبير في هذا القرار بالسؤال عن الشاب الذي يتقدم لابنته.

      حذف
  2. برأيي هذا حب وليس وهم .. حب ووفاء.. وبعض أحداث القصة صارت لصديقتي في العمل الكل توقع زميلنا يأخذها ولكن صارت من نصيب شخص ثاني

    ردحذف
    الردود
    1. أحياناً يمتزج الإعجاب والاعتياد على شخص ما من كثرة رؤيته بشكل مستمر ويومي فيظن المرء أنه وقع في الحب .. برأيي الشخصي .. الحب الحقيقي يبدأ بأساس صحيح وهو الزواج أما ما دون ذلك فهو وهم.

      حذف

إرسال تعليق

تعليقاتك الإيجابية تسعدنا

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أوراد قرآنية لتحقيق الأهداف

  أوراد قرآنية لتحقيق الأهداف أحببت أن أجمع هذه الأوراد المجربة، وهي مجموعة أوراد مقتبسة من آيات قرآنية ومن أسماء الله الحسنى، ولقد رأيت في أن أشارككم فيها لعلي أنفع بها من هو أحوج إليها، ومن يحب أن يجدد في أوراده لقضاء حوائجه وتذوق حلاوة القرب من الله سبحانه وتعالى. قمت بتقسيمها كالآتي، وأسأل الله ينفعني وإياكم بها. أولاً: أوراد الفتح وهي الأوراد الخاصة بالفتح لأي هدف تريده أي تستخدمه بشكل عام لأي هدف ، وكل ما عليك هو أن تستحضر هدفك وتردد الورد باستشعار تام، والله ولي التوفيق. - (إنا فتحنا لك فتحاً مبينا) - ( وأثابهم فتحاً قريبا) - ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها) - ( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه) - ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) - ( نصر من الله وفتح قريب) - ( وفتحت السماء فكانت أبوابا) - ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم) - ( اللهم فتح مبين) - ( اللهم افتح لي أبواب خيرك ولطفك) ثانياً: أوراد لنيل البركة والتيسير من الله تعالى - (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) - ( حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) - ( بديع السماوات والأرض و

برنامج لختم القرآن الكريم

  برنامج لختم القرآن الكريم المقدمة:  لقد أتت الأيام الجميلة، أتت مواسم الرحمة لينفض المرء عنه ثوب الغفلة، وثوب النوم، وثوب البعد والجفاء عن الله تعالى، لتكون راحته ولذته ونعيمه وسروره وشوقه في الإقبال على الله تعالى. ذكر الله تعالى يشرح الصدر ويزيل الضيق ، فما بالك بختم القرآن الكريم في الشهر الفضيل، شهر رمضان المبارك، ولقد مرت في عمرك رمضانات كثر، فاجعل رمضانك هذا الأعظم أجراً، والأكثر سعياً وعملاً، والرواء على قلبك وروحك وعملك. أقدم لكم جدولأ لختم القرآن الكريم خلال شهر رمضان المبارك

مسرحية عريس الغفلة- مسرحية كوميدية- تأليف: زهرة علي

مسرحية عريس الغفلة- مسرحية كوميدية- تأليف: زهرة علي هذه المحاولة الأولى لي في كتابة مسرحية، فقد تجد بعض الأخطاء الدرامية، لذلك اخبرني بها فأنا اتقبل النقد البناء لتتطور محاولاتي القادمة في الكتابة. ربما تكون طريقتي في طرح الحوار جديدة فقد تعمدت الدمج ما بين اللغة العربية الفصحى والعامية لأكون لكم نكهة من نوع خاص.. ومتأكدة أنها ستعجبكم..  (ولأقيم عملي كمتابعة للمسرحية سأقوم بوضع ردة فعل الجمهور من ضحك أو الإعجاب بالتصفيق ما بين قوسين باللون الأحمر..) نبذة عن المسرحية: اسم المسرحية: عريس الغفلة نوع المسرحية: كوميدية تأليف: زهرة علي تم النشر في 12-9-2020 شخصيات المسرحية: الزوج: وليد "أبومشعل"، عمره 33 سنة ويعمل معلم لغة عربية، ويتحدث اللغة العربية الفصحى تأثراً بعمله.  ولديه ابنان: مشعل: 7 سنوات فهد: 8 سنوات الزوجة رقم 1: إيمان " أم مشعل وفهد"، في أواخر العشرينات من عمرها، من الجنسية الخليجية، انيقة وجميلة. أم الزوج: أم وليد - امرأة في الخمسينات من عمرها، ترتدي الملابس الشعبية. الزوجة رقم 2: سنية - فتاة من الجنسية