كسرة قلب- الجزء الأول- زهرة علي
تأليف: زهرة علي
الشخصيات:
عائلة إلهام:
بطلة القصة: إلهام، 17 سنة
الأب: عبدالله
الأم: فاطمة
الأخ: علي، 20 سنة
الأخت: مريم، 16سنة
العم: حسن
عائلة محمود:
البطل: محمود
اخت محمود: نرجس
زوجة أخ محمود: سها
أجواء منزلية
لازالت ذكرى اللقاء الأول تتصدر مخيلتي وتجتاح تفكيري في كل مرة أفكر فيها بقصتي، فمن ذاك اللقاء بدأت معاناتي.
أنا اسمي إلهام سأروي لكم حكايتي لعلها تكون عبرة و صدفة ملهمة للبعض، فما حصل لي جعلني أملك من الخبرات ما يفوق عدد سنوات عمري الذي ضاع هباءاً منثورا، لقد كسر قلبي وصدمت من الحياة أكثر مما تتصورونه.
كنت في السابعة عشرة من عمري عندما دخل والدي إلى صالة المنزل، وكان الجو باردا، كنت مع اخوتي نجلس على الأريكة، بينما كانت المدفئة الكهربائية تعمل وكل واحد منا يغطيه لحاف خفيف يدفينا عن البرد، أما أنا فقد كنت ابالغ في لبسي ملابس الشتاء، فقد كنت ارتدي الجوارب والجاكيت وقبعة من الصوف تغطي اذناي عن البرد، هذا هو شهر يناير يتميز ببرودته، ولأجوائي الخاصة، فالمعروف عني من بين اخوتي أني احب كثيراً الملابس الشتوية.
لقد طلب منا والدي أن نستعد للذهاب إلى البر في الصباح الباكر، لنلبي دعوة عمي حسن الذي اعتاد أن ينصب لنا مخيماً ضخماً كل عام، ويدعو فيه الأهل للتجمع وإقامة حفلات الشواء والأستمتاع بالأجواء المتجددة التي يقدمها بطريقة مبهرة تجعلنا متحمسين لنرى ما الفقرات الجديدة التي سيقدمها عمي في كل عام!
تهلل وجه أخي علي الذي يكبرني بثلاث سنوات، وفرحت أختي مريم التي تصغرني بعام، فقد كنا قد نسينا الأمر تماماً، ففي العادة تكون الدعوة مبكرة، ثم جاءت والدتي من المطبخ مبتسمةً وهي تحمل هاتفها الخلوي، فقد حادثتها زوجة عمي، وألحت عليها بالقدوم في الغد، فهناك خيمة خاصة للنساء وأخرى للرجال، حتى يأخذوا راحتهن بين بعضهن، وقالت أمي: يجب عليكم أن تصحو مبكرين في الغد لكي نستطيع حزم ما نحتاجه، كما انه علينا الذهاب للمخبز أولاً لشراء بعض الحلويات والمكسرات فالوقت لا يكفي لإعداد الحلويات المنزلية، كما انه علينا النوم مبكراً لكي لا نتأخر.
كنت انظر إليها مبتسمة وأنا أقول: اعلم بأن الكلام موجه لي، لا تقلقي سأكون أول واحدة تجهز في الغد.
اختي مريم: نأمل ذلك.
ثم ضحك الجميع، فالمعروف عندهم عدم انضباطي في المواعيد، وحبي الكبير للنوم.
كنت الأقرب إلى قلب أمي، وكانت دائماً تجاهر بحبها وتفضيلها لي على باقي اخوتي، فصحيح أن مواعيدي غير مضبوطة، ولكني ماهرة في الطبخ، ودائماً ما تعتمد والدتي عليّ في الأعمال المنزلية، وبالخصوص مع عدم وجود خادمة في منزلنا.
فعلي كان كثيراً ما يزعجها بمشاكله ولا يطيعها عندما تطلب منه شيئاً، فمنذ أن كان في المدرسة وهو مهمل لدراسته، رغم تسجيل والدي له للتقوية في بعض المواد في المعاهد المعروفة في البلاد، إلا أنه غير متحمل للمسؤولية، وحاد الطباع، وغير مطيع لوالداي الذين ينصحونه لمصلحته، وهذا ما جعل معدله في الثانوية ينخفض، ليلتحق بعدها في أحد المعاهد.
أما أختي مريم فهي مختلفة عني كما يراها البعض، فالبعض يشبهني بوالدتي ويشبهها بوالدي، مع أني أراها تشبهني قليلاً في الشكل، فصحيح أني بيضاء البشرة وهي حنطية إلا أن عيناي وعيناها بنيتان بلون البندق، وبنفس الطول، وشعرنا طويل، ولكن لون شعري يختلف عن لون شعرها، فلون شعري بني به خصلات شقراء، بينما شعر أختي مريم أسود داكن.
عندما يتحدث الأهل والأصدقاء عنا، كان البعض يراها (مريم)أجمل مني، والبعض الآخر يراني (إلهام) أنا الأجمل، ولم يكن الأمر يهمني كثيراً، فأنا أحب أختي وأفرح حتى مع قولهم بأنها الأجمل، ولكن أختي مريم تغار قليلاً مني ولا تتحكم في مشاعرها فتهاجم من يمدحني مهاجمة شرسة وكأنه اساء إليها، وبالخصوص عندما يدللني والدي ووالدتي ويثنون على أمر أقوم به، فحينها يجن جنونها وتشتعل نار الغيرة لديها.
كنت إنسانة مسالمة مع الجميع، لذلك لم أخالف والدايّ قط، لا أريد لقلب أحدهما أن يكسر بسببي، لذلك لا أعاندهما ولا أكذب عليهما، ولا أخفي أسراري عنهما وبالخصوص والدتي التي اعتبرها مثل صديقتي وأحياناً أعاملها مثل صديقتي المقربة وحافظة أسراري.
كان بيتنا صغيراً من طابقين، بناه والدي بعدما استعان بتمويل من وزارة الإسكان، فهذه الأرض حصل عليها من ورث والده، واستعان بوزارة الإسكان ليبنيها، وهذا أفضل قرار اتخذه والدي من أجل مستقبلنا.
صعدت إلى الغرفة التي تجمعني بأختي، وقمت بتجهيز الملابس التي سأرتديها في الغد، وكنت اتظاهر بعدم رؤيتي لنظرات أختي مريم التي تراقب اختياراتي، لتحاول بعدها أن تختار لنفسها أجمل الملابس أناقة وجمالاً لتبدو أجمل مني فهذه خطتها في كل مرة سنخرج معاً.
أكملت تجهيزاتي واستعددت للنوم، ومريم تتعمد ازعاجي رغم انتهائها من التجهيز، حاولت تجاهلها ولم استطع، فضوء المصباح يمنعني من النوم.
إلهام: ارجوك يا مريم اطفئي النور لا أستطيع النوم.
مريم: ألا ترين بأني أجهز أغراضي!
إلهام: أرى بأنك انهيتي كل أمورك حتى علب المكياج والعطور قمت بتجهيزها.
مريم: هل تريدين اختلاق مشكلة مثل كل ليلة؟
نظرت لها منكسرة، فأنا أختها الأكبر وهي لا تحترمني، وهل يعقل أن أتشارك مع أختي غرفة واحدة ولا نتشارك مشاعر الأخوة؟ كم هو غريب هذا الأمر الذي لم استطع فهمه ولا تحليله، لقد كنت أحاول أن اتقرب لها كأخت وصديقة وهي في كل مرة تهاجمني وتتعمد إزعاجي، سامحها الله.
في المخيم
وفي اليوم التالي استيقظت فجراً، توضأت وفرشت سجادتي المعطرة وصليت صلاة الفجر، وتلوت شيئاً من القرآن الكريم، ثم عاودت النوم، ولم أعي إلا على صوت والدتي توقظني بسبب تأخرنا، فقمت بعمل شراب دافئ وحمله معي في السيارة، ثم مررنا المخبز واشتريا الكثير من الحلويات والمخبوزات الساخنة التي لم استطع مقاومتها ففتحت أحد الصحون المغلفة في السيارة وقمنا بأكله لأننا خرجنا دون تناول الفطور، كنا نتناول المخبوزات ونحن نضحك، والأمر الجيد أن والدتي لم تغضب علينا لأنها كانت جائعة معنا.
وأخيراً وصلنا إلى المخيم، نزلت من السيارة وأنا أردد كلمة برد بشفتاي المرتعشتان من برودة الجو، فأحكمت لف شالي الزهري على جسدي، وكنت ارتدي ملابساً واسعة ومريحة مع حذاء رياضي مريح، لقد كنت مرتاحة من شكلي وملابسي بدون تكلف، بعكس أختي مريم التي بدت جميلة بملابسها الضيقة ومبالغتها في مكياجها وشعرها والاكسسوارات.
استقبلتنا زوجة عمي وبنات عمي بأفضل استقبال، وانضممنا مع باقي العائلة في خيمة النساء، كنا مستمتعين بصحبتهن، فبنات العائلة مقاربات لعمرنا، وتسللت رائحة الشواء إلى الخيمة، لنفصح عن جوعنا ، فالجميع شعر بنفس الشعور، فالصحبة الطيبة والجو البارد يفتح الشهية.
ثم بدأنا جميعاً بمساعدة زوجة عمي بتحضير الطعام، فخاطبتني والدتي: لقد نسينا الخبز الطازج في السيارة يا إلهام، اذهبي وأحضريه، فالسيارة لم يقفلها والدك لكي ننزل منها ما نحتاجه.
قلت باحترام: حسناً.
خرجت مسرعة من الخيمة متجهة إلى سيارة والدي، ففتحت الصندوق وشهقت، ففي الصندوق الكثير من الأغراض المبعثرة، أحذية رياضية، ملابس ثقيلة، فواتير، قفازات وجوارب بألوان مختلفة، مجلات....فوضى كبيرة.
وقبل أن استوعب أني فتحت صندوق سيارة مماثلة لسيارة والدي، سمعت صوت رجل يضحك خلفي، فخجلت من نفسي.
قال الرجل الغريب: يبدو أنك تبحثين عن السيارة الخطأ!
رددت عليه بخجل: آسفة، كنت اظنها سيارة والدي.
قال وهو يحدق في وجهي ويشير بيده: اعتقد بأن تلك هي سيارتكم المشابهة لسيارتي.
رددت عليه ووجهي محمراً من كثرة الخجل: شكراً واعتذر على الإزعاج، أنا فعلاً محرجة.
اقترب مني هامساً: اسمي محمود.
ارتبكت ولم اعرف ما الذي جرى، فأخذت الخبز من صندوق سيارتنا واغلقتها.
فسألني بجرأة: ما اسمك؟
قلت بسرعة وبإحراج كبير: إلهام.
ودخلت ثانية إلى المخيم دون أن التفت إليه.
قضينا يوماً رائعاً وجميلاً بصحبة العائلة وبنات العائلة، كان أطفال العائلة مستمتعين بالمفاجآت التي أعدها لهم عمي حسن، فقد فاجأهم بفرقة متخصصة بمسابقات الأطفال ووفر لهم (لترومبلنج) الذي كنت ارغب في النط عليه لولا وجود ابناء عمومتي، استمتعنا كثيرا بالأجواء وإشعال النار، بينما كنت أعيش اللحظات الجميلة واستشعرها بقلبي بحب، كانت أختي مريم منهمكة في التصوير في (السناب شات) وتحاول لفت انتباه ابناء عمومتي القريبين من عمرها، إلا أن والدي لاحظ الأمر وأمرها بأن تدخل معنا إلى داخل الخيمة المخصصة للنساء، فما فعلته يضعنا في موقف محرج مع العائلة.
عريس
مرّ أسبوعين على رحلتنا إلى المخيم، ونسيت أمر تلك الرحلة لإنشغالي في الدراسة وتفكيري في الامتحانات.
وفي المساء جاءنا اتصال غير متوقع، لقد رن هاتف والدتي وكنت اساعدها في المطبخ، غسلت والدتي يديها من الصابون الذي كان في يديها بسرعة وردت على الرقم الغريب الذي كان يصر على الاتصال بهاتفها الخلوي.
ردت والدتي على الهاتف وابتعدت عني لتحدثها، وواصلت أنا غسل الأواني، وما هي إلا لحظات وإذا بوالدتي تبتسم ويبدو عليها الدهشة، تقدمت اتجاهي بحنان وقالت: اغسلي يديكِ أريد أن اخبرك أمرا.
نظرت إليها والدهشة تعتريني، وكأن هناك أمراً مهماً تريد والدتي التحدث عنه معي، فغسلت يدي ونشفتها بمنشفة نظيفة كانت بجانبي.
قالت والدتي: لقد تقدم لك عريس.
قلت بدهشة: عريس لي أنا!
لم تكن أختي مريم معنا في المطبخ ولكنها سمعت كلمة عريس وتركت التلفاز يعمل لوحده في الصالة، وجاءت بسرعة إلى المطبخ منصدمة!
مريم: عريس! لمن العريس؟
أمي: أنه محمود الذي رآك في البر صدفة، وقد أعجب بجمالك وأدبك واختارك بين كل البنات، وهاهو يرسل أخته لتتصل بي ويتقدم لك.
مريم: من هو محمود؟
إلهام: لكن، أنا ما زلت طالبة في المدرسة الثانوية، وكيف يتقدم لي بهذه السرعة؟
لم تكترث والدتي لكلامي وبدت سعيدة جداً بهذه الخطبة، بينما أختي مريم كانت قد استكثرت هذا الأمر علي، فهي ترى بأنها الأفضل، ولطالما كانت تغيضني بكلامها وتقول لي بأنها ستتزوج قبلي، وسأظل بدون زواج لأني طفولية.
يا ترى كيف سأفكر في الموضوع؟ وهل سأتخلى عن مريول المدرسة لأرتدي ثوب زفافي؟ لا أعرف أنا مترددة، فلم أفكر في الزواج والارتباط من قبل!
عندما عاد والدي إلى المنزل أخبرته والدتي بهفة عن خبر الخطبة، ولكن والدي قابل الخبر بهدوء وطلب من والدتي التريث لحين أن يسأل ويستفسر عن العريس وعائلته.
وخلال ثلاثة أيام ناداني والدي إلى غرفته وجلس أمامي بحضور والدتي، وهو يخبرني ببعض المعلومات عن محمود، فلديه ثلاثة إخوة وأخت، وعمره خمسة وعشرون، وقد تخرج من كلية الهندسة، ويعمل مهندساً في أكبر شركات النفط.
أخبرني والدي أن وضعه المادي جيد كونه ورث عن والديه الذين ماتا منذ تسع سنوات بعض العقارات، وأخته متزوجة بينما أخوته غير متزوجين ما عدا واحد منهم.
قال والدي: الآن الرأي لكِ، فكري جيداً قبل أن تخبريني بقرارك.
قالت والدتي بحماس زائد: فكري جيداً يا ابنتي، فشاب بهذه المواصفات غير متوفرة في هذه الأيام، شاب غني ووسيم، ويتيم الوالدين فلا يوجد من يضايقك.
خرجت من غرفة والدي وأنا حائرة أمام حماس والدتي وهدوء ووقار والدي وحكمته.
ثم عادت والدتي بإلحاح أكثر واندست معي في السرير وهي تلعب في خصلات شعري الذهبية، الزواج ستر وزينة للمرأة، وكل الشاب لا عيب فيه، لا تترددي يا ابنتي، اخبريني بمشاعرك وبكل ما تفكري به؟
رددت عليها بخوف: أنا لا أعرفه، اشعر بالخوف والارتباك لمجرد أن أفكر في الزواج وأنا في هذا العمر!
الأم: ستتعرفين عليه خلال فترة الخطوبة.
إلهام: ماذا عن دراستي؟ فما زلت في المرحلة الثانوية!
الأم: اقضي فترة الخطوبة وأنت في الثانوية، ثم تزوجي بعد التخرج من الثانوية.
إلهام: ولكني ارغب في الالتحاق بالجامعة بعد الزواج.
الأم: الكثيرات ممن اكملوا دراستهن وباتوا بدون زواج بسبب عدد سنوات الدراسة الجامعية التي كانت تعيقهن عن الزواج، لا تكرري خطأ الأخريات، ويمكنك طلب الالتحاق بالجامعة بعد موافقة زوجك مستقبلاً، لا تهدري هذه الفرصة.
كنت في حالة من الصمت، حائرة، وأفكر، هل الزواج سيسعدني، هل سيساعدني الزواج على تحقيق حلمي في الحصول على مجموع يدخلني للجامعة، هل سيسمح لي زوجي المستقبلي بالدراسة في الجامعة، وهل سأوفق بين الدراسة وبين حياتي الزوجية؟
استقبلنا أخت محمود في المنزل، ارتديت يومها فستاناً باللون الزهري المفضل لدي، و جعلت خصلات شعري الذهبية منسدلة على كتفاي بنعومة، مع مكياج زهري ناعم، بدوت حينها جميلة جداً وأصغر من عمري، وأنا أدخل لأسلم على أخته نرجس وعلى العريس محمود اللذان لم يرفعا عينيهما عني، اشعر وكأنهما قد أكلاني بعيونهم من كثرة التدقيق الواضح عليهما.
لم اتحدث معه كثيراً ليلتها، فقد كنت اشعر بالخجل من نظراته، فمعظم الحديث كان بين والدتي وأخته.
ثم بدأت أحادثه بهاتفي بعلم من والداي، ووضعت شرطاً بإكمال دراستي الثانوية والجامعية، وافق محمود على طلبي وتمت الخطوبة بحضور الأهل وصديقاتي المقربات في المدرسة، فقد انهيت الفصل الدراسي الثاني من الثاني ثانوي، ثم قمنا بعمل الخطبة في إجازة العطلة الصيفية قبل بدء العام الدراسي الجديد للمرحلة الأخيرة من الثانوية العامة.
ليلة الخطوبة
اخبرت والدتي العائلة بخبر خطبتي وإقامة حفلة الخطوبة في منزلنا المتواضع، وكان الجميع مستغرب من خطوبتي في هذا العمر، فبنات عائلتنا لا يتزوجن إلا بعد أن ينهين دراستهن الجامعية، لذلك كان الأمر شائع بين العائلة، ولكن والدتي كانت ترد على كل من يعارضها بكلمة واحدة فقط "نصيب".
ارتديت فستاناً باللون الأزرق الفاتح ورفعت خصلات شعري الذهبية ولبست الكعب العالي مع طقم من الذهب الخالص، بدوت كأميرة في حفلة خطبتي، كانت الحفلة مرتبة ومنسقة، كل شيء كما أحب وارغب، البوفيه منوع وبه أطباق عديدة، المسرح مليء بالورود الطبيعية التي أحب ومنسقة كما أرغب، الجميع سعيد ويرقص مع أصوات الموسيقى والأغاني الشبابية المنوعة.
استمتعت كثيراً في أيام الخطبة، فمحمود لطيف جداً معي، وكان كثير الاتصال بي ويسمعني كلام الحب والغزل بشكلي الجميل، وكان يقول بأنه لم ير في حياته فتاة أجمل مني، أشعرني كلامه بالحب والانجذاب إليه، وبأني أجمل فتاة بالعالم، لقد أحببته وأحببت حنانه وأحببت كلماته اللطيفة معي.
الطالبة المخطوبة
لقد مرت إجازة العطلة الصيفية بسرعة البرق، لم ارغب بأن تنتهي بهذه السرعة فقد كنت مستمتعة بالنزهات التي اخرج فيها إلى المطاعم والمجمعات، وبدأت أجهز أدواتي المدرسية مع خطيبي محمود، اشترى لي أجمل الدفاتر والأقلام المميزة، وأعجبتني حقيبتي المدرسية الجديدة، كان كريماً معي.
وعندما عدت إلى المدرسة، كان الطالبات يتجمعن حولي ويباركن لي على الخطوبة، أما المعلمات فبعضهن كان يؤنبني ويسمعني كلام قاسي على تسرعي في قرار الخطوبة، أما البعض الآخر من المعلمات فكن ينصحني بمواصلة الدراسة وتأخير الإنجاب إلى ما بعد المرحلة الدراسية.
لا أعرف كيف انهالت عليّ النصائح من الطالبات ومن المعلمات، وكأني حديث الساعة في المدرسة، لذا أحببت أن اثبت للجميع بأن قراري صائب، وبأني استطيع إحراز أفضل النتائج، ولن يعطلني قراري على الدراسة ولن يؤثر عليّ.
صارحت محمود برغبتي في التفوق وإحراز الدرجات من أجل الالتحاق بالجامعة، ووافقني الأمر وساندني، وأخبرني بانه سيساعدني في الدراسة، وفعلاً كان يساعدني في الأنشطة المدرسية، ويشرح لي ما يصعب عليّ من الدروس، كان رائعاً بمعنى الكلمة.
كنت اثق في محمود وفي كلامه ووعوده، احسست بأنه قريب مني، وكنت اخبره بأسراري البريئة، ومواقفي في المدرسة مع صديقاتي وزميلاتي، وكان ينصت لي ويعلق على بعض المواقف ويضحك لخفة دمي وبرائتي.
انتهى العام الدراسي بحب، وانجزت مجموعاً جيداً يدخلني في التخصص الذي أريد في الجامعة، وقد سجلت أوراقي للإلتحاق بالجامعة، وجاءت الموافقة التي اثلجت صدري، ولكن محمود قرر حينها إعلان الزواج رسمياً والارتباط بي قبل بدء أول فصل دراسي من الجامعة.
فقمت بالتجهيز لحفلة زفافي بمساعدة والدتي وأختي مريم التي بدت لطيفة معي في الأيام الأخيرة، وبدى لي أنها ستفتقدني، فقد أخترنا القاعة التي سيتم فيها حفلة زفافي، واخترنا الفستان الأبيض مع الطرحة، والكثير من الملابس التي تليق بامرأة متزوجة، بالإضافة إلى أجود أنواع البخور والعطوروالمكياج، وافخم موديلات الحقائب والأحذية.
شعرت بأني فراشة على شكل عروس، كانت الاستعدادات متعبة جسدياً، ولكنها مريحة نفسياً، لا اعلم ربما الشعور بالرضا والسعادة يلاصق كل فتاة تحب التسوق والشراء مثلي.
كنت سعيدة جداً بمشترياتي، ولم أحسب ابداً أي حساب للمسؤولية الجديدة، ولم أعي أني سأكبر أكثر مما كنت مستعدة إليه.
حفلة الزفاف
حان موعد زفافي، ذهبت إلى الصالون النسائي، وقامت خبيرة الشعر بعمل تسريحة ناعم تناسب وجهي الطفولي، وقمت بوضع المكياج عند خبيرة المكياج في نفس الصالون، التي اصبحت بلمساتها الفنية كالملاك، وساعدتني اختي مريم وبنات عمي حسن في لبس فستان الزفاف الأبيض.
وعند دخولي لصالة الأفراح انبهر جميع المدعوين برقتي وجمالي، فقد بدوت جميلة كالملاك، طلتي كانت لا تخلو من البراءة والبساطة التي زادتني جمالاً ورونقا.
وضعت والدتي الشبه والبخور، وقامت بتبخيري حتى لا تصيبني عين الحاسدين، فالجميع كان منبهراً بجمالي، وربما لأني صغيرة السن، وكان محمود منبهراً بي وبدا على ملامحه الحب والإعجاب بي.
انتهت الحفلة السعيدة جداً، وانتهى وقت ارتدائي لفستاني الأبيض، وبدأت افكر إن كانت السعادة ستغمرني مثل أيام الخطوبة أم ستخذلني الأيام؟ لا، ابعدت فكرت تغير محمود عليّ فهذا الشيء لا يعجبني ولا اريد أن يقتحم الشك حياتي.
شهر العسل المدسوس
لم نسافر معاً إلى شهر العسل رغم وجود مادية مناسبة لذلك، واخبرني أن المال الذي سنبدره في شهر العسل سنوفره لالتحاقي بالجامعة، لذلك قضينا أول اسبوع في فندق خمس نجوم، ثم عدنا إلى منزل والده الذي يسكن فيه اخوته الثلاثة، وتزورهم بين الحين والآخر اختهم نرجس.
استقبلتني في اليوم الأول زوجة اخاه واسمها "سها" مع اخته "نرجس"، استقبلاني احسن استقبال بالبخور والعطور، ورش "النون والحلويات" علينا، ثم استفردتا بي قائلتين: لا تعتادي على أمر الدلال كثيراً، فالمنزل مشترك هنا، ويجب أن نكون واضحين معك منذ البداية، فلا يوجد خادمة في المنزل، لقد سافرت منذ عدة أشهر، ونجد صعوبة في استقدام أخرى.
استرسلت نرجس وهي تقول: يجب أن تتعاوني مع زوجة أخي "سها" في أداء الأعمال المنزلية من طبخ وغسل، إلى أن نستقدم خادمة جديدة.
تفهمت الأمر، فكما قالت نرجس سيستقدمون خادمة جديدة مع الأيام القادمة.
ومنذ اليوم التالي وأنا أطبخ في المطبخ، فقد قطع محمود إجازته السنوية وعاود الذهاب لعمله، بينما أنا كنت اقطع البصل واطبخ لأريهم مهاراتي في الطبخ، وقبل أن يعود زوجي من العمل اذهب مسرعة لألبس أجمل الملابس واضع مساحيق التجميل والعطور.
مرّ شهران وأنا على هذه الحال، معظم الأعمال المنزلية تكون عليّ، بينما "سها" تختلق الأعذار في أنها تأخرت في النوم بسبب سهرها مع رضيعتها لوقت متأخر من الليل، كنت طيبة القلب وساذجة، ودائماً ما أردد في سري " اعمل خيراً تلقى خيراً، وهؤلاء أيتام يجب أن أعينهم وأتعاون معهم"، كانت تلك الكلمات تلامس قلبي الحنون، وتخفف من توتري وتعبي.
وعندما اقترب موعد دوامي للجامعة، قام محمود باختلاق بعض المشاكل معي بدون سبب، لم أكن افهمه ولا أعرف ما هو سبب تغيره عليّ، وكأني لا أعرفه، لقد حاول اقناعي بترك الجامعة والبقاء في المنزل بحجة أنه يغار علي من الطلاب الذين في الجامعة، ولكني اصريت على رأيي في إكمال دراستي، وبأن هذه شروطي في عقد الزواج، لذلك حاول بأكثر من طريقة لإقناعي، إلى أن توصل إلى خطة محكمة لإقناعي.
لقد طلب مني محمود تأجيل الالتحاق بالجامعة وسحب أوراقي، لأداوم في الفصل الدراسي الثاني،أقنعني بكلماته المعسولة، بأني مازلت عروس جديدة، وبأنه لا توجد معه سيولة مالية حالياً، فالجامعة مكلفة من ناحية الكتب والمواصلات ودفع الرسوم الدراسية والأشياء الأخرى.
وفي الوقت الذي سحبت فيه أوراقي، عادت "سها" لتزاول عملها كمعلمة في المدرسة، لقد كنت اشعر بالضيق و تزاحم المسؤوليات عليّ، فقد كنت أقوم بجميع الأعمال المنزلية لوحدي، بالإضافة إلى عنايتي بطفلة سها في أثناء غيابها للعمل، وكنت أقوم بذلك لوحدي لعلّ الخادمة الجديدة تحضر لإنقاذي، لا أفهم هل هو استغلال؟ هل تزوجني محمود لأكون خادمة له ولعائلته؟ أنا مشوشة فعلاً ولا أعرف كيف اتصرف، فقد ذهب الدلال والحنان، فزوجي لا يعطيني مصروفاً، ولا يخرجني لنزهة، والكلام المعسول قد اختفى وأنا ما زلت عروساً لم أكمل السنة.
هل اشكي حالي لأهلي ليتفاهموا معه؟ أو الزم الصمت، فوالدتي كثيراً ما حذرتني من البوح بأسراري الزوجية للآخرين، أو الشكوى والتذمر لأنها تفاقم الخلافات الزوجية، أنا فعلاً في حيرة.
لم يكن محمود متهاوناً في حقوقه أبداً، فكان ينبهني إلى أي تقصير يبذر مني ويعاملني بحزم، يريد طعامه جاهزاً قبل عودته للمنزل، ينتقد طبخي، وتنظيفي للمنزل، فأنا أقوم بجميع الأعمال المنزلية بالإضافة للإعتناء بطفلة أخيه، وهو دائما يصرخ في وجهي بحدة "إخوتي أيتام يجب أن نرعاهم ونوفر لهم سبل الراحة"، طريقته في الكلام تخيفني، وكثيراً ما يكسر قلبي عندما ينعتني بالغباء.
اصبحت أخاف منه ومن أسلوبه وصوته العالي، كيف لي أن أكلمه عن حقوقي؟ أريد أن أعيش امرأة مكرمة في بيت الزوجية، مازلت صغيرة على مسؤوليات ليست من واجباتي، وكثيراً ما حادثته بامر الجامعة، وفي المرة الأخيرة احتد النقاش بيننا ليتطاول عليّ بألفاظ مهينة.
إلهام: أريد الإلتحاق بالجامعة، إلى متى ستقوم بتأجيل الأمر والمماطلة، أنت وعدتني بأنك ستفي بوعودك، ولقد وضعت شرط إكمال دراستي الجامعية في عقد الزواج...
رد عليّ بعصبية: أتريدين أن تدرسي يا غبية وأنتِ تقومين بواجباتك نحوي بصعوبة؟
إلهام: أريد أن أدرس لن أتنازل عن حقوقي.
محمود: أنسي أمر الدراسة، نحن لا نحتاج للمال لتدرسي وتعملي، فراتبي يكفينا، ألا يكفيك أنك تأكلي وتشربي وتلبسي وتنامي؟
إلهام: أنا أرغب بالدراسة ليكون لي كياني الخاص، وليس من أجل المال فقط، أنه مستقبلي... وهذا ما وافقت عليه عند عقد نكاحنا.
محمود باستهزاء: عقد الزواج وشروط عقد الزواج بلليهم بالماء واشربي ماءهم.
صدمت من رده وعدم احترامه لعقد مقدس كتبه ووافق عليه بين ملء من الناس مع وجود شيخ الدين والشهود! انفجرت بالبكاء، وتركني لوحدي وخرج خارج الغرفة.
اتصلت حينها بأخي علي ليقلني بسيارته إلى منزل أهلي، وتركت له المنزل بما فيه.
تفاجأت والدتي بقدومي، ولكني اخفيت عليها الأمر، وأخبرتها بأني استأذنت من محمود قبل مجيئي.
كنت متعبة نفسياً وجسدياً وغير مستعدة للحديث عن الموضوع، ذهبت إلى غرفتي، احتضنتني أختي مريم التي بدت مشتاقة لرؤيتي، لم استطع أن أجاملها، فكل ما فعلته هو أني خلدت للنوم بدون أن أتناول عشائي الذي اصرت والدتي عليّ أن أتناوله، ولكني نمت في سبات عميق.
نلتقي قريباً مع الجزء الثاني
دمتم سالمين
زهرة علي
تعليقات
إرسال تعليق
تعليقاتك الإيجابية تسعدنا